أصلا وانما غلط من غلط بقياس الغائب على الشاهد وهو ممنوع باطل لانه لا يلزم ان يكون هناك رداء مانع وبرزخ بين الناظر والمرتدي ولذا قال الكبرياء رداؤه الذي يلبسه عقول العلماء بالله فالتردد فى ان الرداء حجاب بين المرتدي والناظرين فلا يمكن الرؤية انما هو من عمى البصيرة والعياذ بالله وهو فى ثلاثة أشياء إرسال الجوارح فى معاصى الله والتصنع بطاعة الله والطمع فى خلق الله فالحق ليس بمحجوب عنك لثبوت احاطته وانما المحجوب أنت عن النظر اليه بما تراكم على بصيرتك من العيوب العارضة وما يلازم بصرك من العيب اللازم الذي هو الفناء الحسى الذي لا يرتفع الا فى الدار الآخرة فلذلك كانت الرؤية موقوفة عليها والا فالحجاب فى حقه تعالى ممتنع غير متصور فلا تكن ممن يطلب الله لنفسه ولا يطالب نفسه لربه فذلك حال الجاهلين وقال بعض المفسرين ان الإدراك إذا قرن بالبصر كان المراد منه الرؤية فانه يقال أدركت ببصرى ورأيت ببصرى بمعنى واحد فمعنى قوله لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ اى لا تراه فى الدنيا فهو مخصوص برؤية المؤمنين له فى الآخرة لقوله تعالى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ وحديث الشيخين (انكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر) والمراد تشبيه الرؤية بالرؤية فى الجلاء والوضوح لا تشبيه المرئي بالمرئي اى فى الجهة وانما يرونه فى الآخرة لانها قلب الدنيا فالبصيرة هناك كالبصر فى الدنيا فيكون البصر الظاهر فى الدنيا باطنا فى الآخرة والبصيرة الباطنة ظاهرة فيستعد الكل للرؤية بحسب حاله واما فى الدنيا فالرؤية غاية الكرامة فيها وغاية الكرامة فيها لأكرم الخلق وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم صاحب المقام المحمود الذي شاهد ربه ليلة المعراج بعيني رأسه يعنى رآه بالسر والروح فى صورة الجسم فكان كل وجوده
الشريف عينا لانه تجاوز فى تلك الليلة عن عالم العناصر ثم عن عالم الطبيعة ثم عن عالم الأرواح حتى وصل الى عالم الأمر وعين الرأس من عالم الأجسام فانسلخ عن الكل ورأى ربه بالكل فافهم هداك الله الى خير السبل فان العبارة هاهنا لاتسع غير هذا قال فى التأويلات النجمية لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ اى لا تلحقه المحدثات لا الابصار الظاهرة ولا الابصار الباطنة تقدست صمديته عن كل لحوق ودرك ينسب الى مخلوق ومحدث بل وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ بالتجلى لها فيفنى المحدثات فيكون هو بصره الذي يبصر به فاستوت عند التجلي الابصار الظاهرة والباطنة فى الرؤية بنور الربوبية وَهُوَ اللَّطِيفُ من ان يدركه المحدثات او يلحقه المخلوقات الْخَبِيرُ بمن يستحق ان يتجلى له الحق ويدرك ابصارها باطلاعه عليها فيستعدها للرؤية ومن لطف الله انه أوجد الموجودات وكون المكونات فضلا منه وكرما من غير ان يكون استحقاقها للوجود انتهى ولو رآه انسان فى الموطن الدنيوي لوجب عليه شكره ولو شكره لاستحق الزيادة ولا مزيد على الرؤية ولذلك حرمها وهذا هو المعنى فى قوله عليه السلام (لن تروا ربكم حتى تموتوا) قال ابن عطاء إتمام النعيم بالنظر الى وجه الله الكريم على الوجه اللائق بجلاله فى الدار الآخرة حسبما جاء الوعد الصدق بذلك كما فى الدنيا إذ غالب النصوص يقتضى منع ذلك بل يكاد يقع الإجماع على نفى وقوع ذلك ومنعه شرعا وان جاز عقلا انتهى واما الرؤية فى المنام فقد