للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقوله تعالى إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وفيه تعظيم لهم ولكتابهم. وسادسها انه جعله مرآة الملائكة يرون الآدميين وأحوالهم كى يشهدوا عليهم يوم القيامة لان عالم المثال والتمثال فى العرش كالاطلس فى الكرسي. وسابعها انه جعله مستوى الاسم الرحمن اى محل الفيض والتجلي والإيجاد الاحدى كما جعل الشرع الذي هو مقلوبه مستوى الأمر التكليفي الارشادى لا مستوى نفسه تعالى الله عن ذلك عَلَى الْماءِ اى العذب كما فى انسان العيون قال كعب الأحبار أصله ياقوتة خضراء فنظر إليها بالهيبة فصارت ماء يرتعد من مخافة الله تعالى فلذلك يرتعد الماء الى الآن وان كان ساكنا ثم خلق الريح فجعل الماء على متنها اى ظهرها ثم وضع العرش على الماء وليس ذلك على

معنى كون أحدهما على الآخر ملتصقا بالآخر بل ممسك بقدرته كما فى فتح القريب قال الأصم هذا كقولهم السماء على الأرض وليس ذلك على سبيل كون إحداهما ملتصقة بالأخرى فالمعنى وكان عرشه تعالى قبل خلق السموات والأرض على الماء لم يكن حائل محسوس بينهما وانما قلنا محسوس فان بين السماء والأرض حائلا هو الهواء لكن لما لم يكن محسوسا لم يعد حائلا وفيه دليل على ان العرش والماء خلقا قبل السموات والأرض والجمهور على ان أول ما خلق الله من الأجسام هو العرش ومن الأرواح الروح المحمدي الذي يقال له العقل الاول والفلك الأعلى ايضا. وفيه دليل ايضا على إمكان الخلاء فان الخلاء هو الفراغ الكائن بين الجسمين اللذين لا يتماسان وليس بينهما ما يماسهما فاذا لم يكن بين العرش والماء حائل يثبت الخلاء والحكماء ذاهبون الى امتناع الخلاء والمتكلمون الى إمكانه قال فى كتب الهيئة مقعر سطح الفلك الأعظم يماس محدب فلك الثوابت ومحدبه لا يماس شيأ إذ ليس وراءه شىء لا خلاء ولا ملاء بل عنده ينقطع امتدادات العالم كلها. وقيل من ورائه أفلاك من أنوار غير متناهية ولا قائل بالخلاء فيما تحت الفلك الأعظم بل هو الملاء وقال المولى ابو السعود رحمه الله وكان عرشه قبل خلقهما على الماء ليس تحته شىء غيره سواء كان بينهما فرجة او كان موضوعا على متنه كما ورد فى الأثر فلا دلالة فيه على إمكان الخلاء كيف لا ولو دل لدل على وجوده لا على إمكانه فقط ولا على كون الماء أول ما حدث فى العالم بعد العرش وانما يدل على ان خلقهما اقدم من خلق السموات والأرض من غير تعرض للنسبة بينهما انتهى قال الكاشفى [در وقوف عرش بر آب واستقرار آب بر باد اعتبار عظيم است مر اهل تفكر را از عباد] لِيَبْلُوَكُمْ متعلق بخلق واللام لام العلة عقلا ولام الحكمة والمصلحة شرعا بمعنى ان الله تعالى فعل فعلا لو كان يفعله من يراعى المصالح لم يفعله الا لتلك المصلحة اى خلق السموات والأرض وما فيهما من المخلوقات التي من جملتها أنتم ورتب فيهما جميع ما تحتاجون اليه من مبادى وجودكم واسباب معايشكم وأودع فى تضاعيفهما من أعاجيب الصنائع والعبر ما تستدلون به على مطالبكم الدينية ليعاملكم معاملة من يبتليكم ويمتحنكم أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا فيجازيكم بالثواب والعقاب بعد ما تبين المحسن من المسيئ فان قلت الاختبار يتعلق بجميع العباد محسنين كانوا او مسيئين واحسن عملا يخصصه بالمحسنين منهم لان العمل الأحسن يخص بالمحسنين ولا يتحقق فى اهل القبائح فيلزم ان يعتبر عموم الابتلاء وخصوصه معا وهما متنافيان قلت الابتلاء وان كان

<<  <  ج: ص:  >  >>