فى التجويف الأيسر من القلب الصنوبري تناسب المزاج المركب من العناصر فحصل الارتباط والتأثر والتأثير وتأتى وصول المدد وإذا وضح هذا فاعلم ان القوة الخالية التي فى نشأة الإنسان من كونه نسخة من العالم بالنسبة الى العالم المثالي المطلق كالجزء بالنسبة الى الكل وكالجدول بالنسبة الى النهر الذي هو مشرعه وكما ان طرف الجدول الذي يلى النهر متصل به كذلك عالم الخيال الإنساني من حيث طرفه الأعلى متصل بعالم المثال والمثال نوعان مطلق ومقيد. فالمطلق ما حواه العرش المحيط من جميع الآثار الدنيوية والاخروية. والمقيد نوعان نوع هو مقيد بالنوم ونوع غير مقيد بالنوم مشروط بحصول غيبة وفتور ما فى الحس كما فى الواقعات المشهورة للصوفية وأول ما يراه الأنبياء عليهم السلام انما هو الصور المثالية المرئية فى النوم والخيال ثم يترقون الى ان يروا الملك فى المثال المطلق او المقيد فى غير حال النوم لكن مع نوع فتور فى الحس وكونهم مأخوذين عن الدنيا عند نزول الوحى انما هو مع بقاء العقل والتمييز ولذا لا ينتقض حينئذ وضوؤهم ولانهم تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم لكون بواطنهم محلاة بصفات الله متخلقة بأخلاقه مطهرة عن أوصاف البشرية من الحرص والعجز والأمل والضعف وغير ذلك مما فيه نقص ظاهر بالاضافة الى ذروة الكمال فضلا عن النوم لان النوم عجز وضعف وآفة ولو حلت الآفة قلب النبي لجاز ان يحله سائر الآفات من توهم فى الوحى وغفلة عنه وسآمة منه وفزع يمنعه عن واجب عليه قال بعضهم ان الله قد وكل بالرؤيا ملكا يضرب من الحكمة الأمثال وقد اطلعه الله سبحانه على قصص ولد آدم من اللوح المحفوظ فهو ينسخ منها ويضرب لكل قصة مثلا فاذا نام يمثل له تلك الأشياء على طريق الحكمة لتكون بشارة له او نذارة او معاتبة ليكونوا على بصيرة من أمرهم وفى شرح الشرعة ان اللوح المحفوظ فى المثال كمرآة ظهر فيها الصور ولو وضع مرآة فى مقابلة اخرى ورفع الحجاب بينهما كانت صورة تلك المرآة تتراءى فى تلك والقلب مرآة تقبل رسوم العلوم واشتغاله بشهواته ومقتضى حواسه كأنه حجاب مرسل بينه وبين مطالعة اللوح الذي هو من عالم الملكوت فان هبت ريح الرحمة حرك هذا الحجاب ورفع فيتلألأ فى مرآة القلب شىء من عالم الملكوت كالبرق الخاطف وقد يثبت ويدوم ومادام متيقظا فهو مشغول بما يورده الحس عليه من عالم الشهادة الا من شاء الله تعالى من المؤيدين من عند الله تعالى فاذا ركدت الحواس عند النوم وتخلص القلب من شغلها ومن الخيال وكان صافيا فى جوهره وارتفع الحجاب وقع فى القلب شىء مما فى اللوح بحسب صفاته الا ان النوم لا يمنع الخيال عن عمله وحركته
فما وقع فى القلب من اللوح يبتدره الخيال فيحاكيه بمثال يقاربه وتكون التخيلات اثبت فى الحفظ من غيرها فاذا انتبه من النوم لا يتذكر الا الخيال فيحتاج الرائي الى معبر لينظر بفراسته ان هذا الخيال حكاية أي معنى من المعاني ولهذا السرّ كان من السنة لمن يرى فى منامه شيأ ان يقصه على عالم ناصح والرؤيا ثلاثة. أحدها حديث النفس كمن يكون فى امر او حرفة يرى نفسه فى ذلك الأمر وكالعاشق يرى معشوقه ونحو ذلك. وثانيها تخويف الشيطان بان يلعب بالإنسان فيريه ما يحزنه ومن لعبه به الاحتلام الموجب للغسل وهذان لا تأويل لهما. وثالثها بشرى من الله تعالى بان يأتيك ملك الرؤيا من نسخة أم الكتاب