للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحيوانية فان وكل الإنسان الى طبعه تكون الغلبة للنفس والبدن على الروح والقالب وهذا حال الأشقياء وان أيد القلب بالوحى فى غيابة جب القلب إذا سبقت له العناية الازلية تكون الغلبة للروح والقلب على النفس والبدن وهذا حال السعداء فالانبياء وكذا الأولياء مؤيدون من عند الله تعالى بالوحى والإلهام والصبر والاحتمال وان كانوا فى صورة الجفاء والجلال وقد قضى الله تعالى على يعقوب ويوسف ان يوصل إليهما تلك الغموم الشديدة والهموم العظيمة ليصبرا على مرارتها ويكثر رجوعهما الى الله تعالى وينقطع تعلق فكرهما عما سوى الله تعالى فيصلا الى درجة عالية لا يمكن الوصول إليها الا بتحمل المحن العظيمة كما قال بعض الكبار سبب حبس يوسف فى السجن اثنتي عشرة سنة تكميل ذاته بالخلوة والرياضة الشاقة والمجاهدات مما تيسر له عند أبيه ومن هذا المقام اغترب الأنبياء والأولياء عن أوطانهم: قال المولى الجامى

بصبر كوش دلا روز هجر فائده چيست ... طبيب شربت تلخ از براى فائده ساخت

وقال بعضهم ابتلى أبوه بفراقه لما فى الخبر انه ذبح جديا بين يدى امه فلم يرض الله تعالى ذلك منه وارى دما بدم وفرقة بفرقة لعظمة احترام شأن النبوة ومن ذلك المقام حسنات الأبرار سيآت المقربين وقال بعضهم استطعمه يوما فقير فما اهتم باطعامه فانصرف الفقير حزينا وفيه نظر كما قاله البعض لان ذلك لا يليق بأخلاق النبوة وقال بعضهم لما ولد يوسف اشترى يعقوب له ظئرا وكان لها ابن رضيع فباع ابنها تكثير اللبن على يوسف فبكت وتضرعت وقالت يا رب ان يعقوب فرق بينى وبين ولدي ففرق بينه وبين ولده يوسف فاستجاب الله دعاءها فلم يصل يعقوب الى يوسف الا بعد ان لقيت تلك الجارية ابنها وفى الحديث (لا توله والدة بولدها) اى لا تجعل والهة بتفريقه منها وذلك فى السبايا كما فى الجوهري ومن أحاديث المقاصد الحسنة (من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة) ومثل هذا وان كان بعيدا بالنسبة الى الأنبياء عليهم السلام الا ان القضاء يفعل ما يفعل قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره إذا شاء الحق إنفاذ قوله تعالى وكان امر الله قدرا مقدورا على عموم الافعال فى العبد بايفاء زلة منه يجرى عليه القدر بما اراده ثم يرده الى مقامه ان كان من اهل العناية والوصول قيل لابى يزيد قدس سره أيعصى العارف فقال وكان امر الله قدرا مقدورا: قال الحافظ

جايى كه برق عصيان بر آدم صفى زد ... ما را چهـ كونه زيبد دعوئ بي كناهى

هذا بالنسبة الى حال يعقوب وابتلائه واما بالنسبة الى يوسف فقد حكى انه أخذ يوما مرآة فنظر الى صورته فاعجبه حسنه وبهاؤه فقال لو كنت عبدا فباعونى لما وجد لي ثمن فابتلى بالعبودية وبيع بثمن بخس وكان ذلك سبب فراقه من أبيه وفيه اشارة الى ان الجمال والكمال كله لله تعالى وإذا أضيف الى العبد مجازا فلا بد للعبد ان يجتهد الى ان يصير حرا عما سوى الله تعالى ويتخلص من الإضافات والقيود ويرى الأمر كله لله تعالى ويكون عبدا محضا حقا لله تعالى: قال المولى الجامى

كسوت خواجكى وخلعت شاهى چهـ كند ... هر كرا غاشيه بندگيت بر دوش است

<<  <  ج: ص:  >  >>