تعالى عليه وسلم برأ الله سليمان عليه السلام من ذلك وانزل في عذر سليمان واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ بالسحر وعلمه يعنى لم يكن ساحرا لان الساحر كافر والتعرض لكونه كفرا للمبالغة في اظهار نزاهته عليه السلام وكذبه باهتيه بذلك وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا باستعمال السحر وتعليمه وتدوينه يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ اى كفروا والحال انهم يعلمونه إغواء واضلالا روى ان السحر من استخراج الشياطين للطافة جوهرهم ودقة افهامهم وَما اى ويعلمون الناس الذي أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ اى ما الهما وعلما وهو علم السحر انزلا لتعليم السحر ابتلاء من الله للناس من تعلمه منهم وعمل به كان كافرا ومن تجنبه او تعلمه لا ليعمل به ولكن ليتوقاه كان مؤمنا كما قيل عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه وهذا كما إذا اتى عرافا فسأله عن شىء ليمتحن حاله ويختبر باطن امره وعنده ما يميز به صدقه من كذبه فهذا جائز قال الامام فخر الدين كان الحكمة في انزالهما ان السحرة كانوا يسترقون السمع من الشياطين ويلقون ما سمعوا بين الخلق وكان بسبب ذلك يشتبه الوحى النازل على الأنبياء فانزلهما الله الى الأرض ليعلما الناس كيفية السحر ليظهر بذلك الفرق بين كلام الله وكلام السحرة بِبابِلَ الباء بمعنى في وهي متعلقة بانزل او بمحذوف وقع حالا من الملكين وهي بابل العراق او بابل ارض الكوفة ومنع الصرف للمجمة والعلمية واحسن ما قيل في تسميتها ببابل ان نوحا عليه السلام لما هبط الى أسفل الجودي بنى قرية وسماها ثمانين فاصبح ذات يوم وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة إحداها اللسان العربي وكان لا يفهم بعضهم من بعض كذا في تفسير القرطبي هارُوتَ وَمارُوتَ عطف بيان للملكين علمان لهما ومنع صرفها للعجمة والعلمية وما روى في قصتهما من انهما شربا الخمر وسفكا الدم وزنيا وقتلا وسجدا للصنم فمما لا تعويل عليه لان مداره رواية اليهود مع ما فيه من المخالفة لادلة العقل والنقل ولعله من مقولة الأمثال والرموز التي قصد بها ارشاد اللبيب الأريب وبالترغيب وذلك لان المراد بالملكين العقل النظري والعقل العملي والمرأة المسماة بالزهرة هي النفس الناطقة الطاهرة في اصل نشأتها وتعرضهما لها تعليمهما لها ما تستعد به في النشأة الآخرة وحملها إياهما على المعاصي تحريضها إياهما بحكم الطبيعة المزاجية الى السفليات المدنسة لجوهرهما وصعودها الى السماء بما تعلمت منهما هو عروجها الى الملأ الأعلى ومخالطتها مع القدسيين بسبب انتصافها ونصحها كذا ذكره وجوه القوم من المفسرين يقول الفقير جامع هذه المجالس الشريفة قد تصفحت كتب ارباب الخبر والبيان واصحاب الشهود والعيان فوجدت عامتها مشحونة بذكر ما جرى من قصتهما وكيف يجوز الاتفاق من الجم الغفير على ما مداره رواية اليهود خصوصا في مثل هذا الأمر الهائل فاقول وصف الملائكة بانهم لا يعصون ولا يستكبرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون ويفعلون ما يؤمرون دليل تصور العصيان منهم ولولا ذلك لما مدحوا به إذ لا يمدح أحد على الممتنع لكن طاعتهم طبع وعصيانهم تكلف على عكس حال البشر كما في التيسير فهذا يقتضى جواز الوقوع مع ان فيما روى في سبب نزولهما