النعم وكيفما قدر وعلى أي شىء نزل فالواسع المطلق هو الله تعالى لانه ان نظر الى علمه فلا ساحل لبحر معلوماته بل تنفد البحار لو كانت مدادا لكلماته وان نظر الى إحسانه ونعمه فلا نهاية لمقدوراته وكل سعة وان عظمت فتنتهى الى طرف والذي لا يتناهى الى طرف فهو أحق باسم السعة والله تعالى هو الواسع المطلق لان كل واسع بالاضافة الى ما هو أوسع منه ضيق وكل سعة تنتهى الى طرف فالزيادة عليها متصورة وما لا نهاية له ولا طرف فلا يتصور عليه زيادة وسعة العبد فى معارفه وأخلاقه فان كثرت علومه فهو واسع بقدر سعة علمه وان اتسعت أخلاقه حتى لم يضيقها خوف الفقر وغيظ الحسود وغلبة الحرص وسائر الصفات المذمومة فهو واسع وكل ذلك فهو الى نهاية وانما الواسع المطلق هو الله تعالى: قال في المثنوى
اى سگ گرگين زشت از حرص وجوش ... پوستين شير را بر خود مپوش
غره شيرت بخواهد امتحان ... نقش شير وانكه اخلاق سگان
عَلِيمٌ بمصالحهم وأعمالهم كلها وهذا لا يخلو عن إفادة التهديد ليكون المصلى على حذر من التفريط والتساهل كما انه يتضمن الوعد بتوفية ثواب المصلين في جميع الأماكن فقد ظهر ان هذه الآية مرتبطة بقوله تعالى وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ الآية وان المعنى ان بلاد الله ايها المؤمنون تسعكم فلا يمنعكم تخريب من خرب مساجد الله ان تولوا وجوهكم نحو قبلة الله أينما كنتم من ارضه وقال مجاهد والحسن لما نزل وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ قالوا اين ندعوه فأنزل الله وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ بلا جهة وتحيز ان قيل ما معنى رفع الأيدي الى السماء عند الدعاء مع انه تعالى منزه عن الجهة والمكان قلنا ان الأنبياء والأولياء قاطبة فعلوا كذلك لا بمعنى ان الله في مكان بل بمعنى ان خزائنه تعالى في السماء كما قال تعالى وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ وقال تعالى وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ فالعرش مظهر لاستواء الصفة الرحمانية فرفع الأيدي إذا الى السماء والنظر إليها وقت الدعاء بمنزلة ان يشير سائل الى الخزينة السلطانية ثم يطلب من السلطان ان يعطى له عطاء من تلك الخزينة- يروى- ان امام الحرمين رفع الله درجته في الدارين نزل ببعض الأكابر ضيفا فاجتمع عنده العلماء والأكابر فقام واحد من اهل المجلس فقال ما الدليل على تنزهه تعالى عن المكان وهو قال الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى فقال الدليل عليه قول يونس عليه السلام فى بطن الحوت لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فتعجب منه الناظرون فالتمس صاحب الضيافة بيانه فقال الامام هاهنا فقير مديون بألف درهم أد عنه دينه حتى أبينه فقبل صاحب الضيافة دينه فقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذهب في المعراج الى ما شاء الله من العلى قال (لا احصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) ولما ابتلى يونس عليه السلام بالظلمات فى قعر البحر ببطن الحوت قال (لا اله الا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين) فكل منهما خاطبه بقوله أنت وهو خطاب الحضور فلو كان هو في مكان لما صح ذلك فدل ذلك على انه ليس فى مكان وفي الحديث (لا تفضلونى على يونس بن متى فانه رأى في بطن الحوت ما رأيته في أعلى العرش) يشير عليه السلام بذلك الى ما وقع له وليونس عليه السلام من تجلى الذات وقيل نزلت