الآية لما طعن اليهود في نسخ القبلة- روى- انه عليه السلام كان يصلى بمكة مع أصحابه الى الكعبة فلما هاجر الى المدينة امره الله ان يصلى نحو بيت المقدس ليكون أقرب الى تصديق اليهود فصلى نحوه ستة عشر شهرا وكان يقع في روعه ويتوقع من ربه ان يحوله الى الكعبة لانها قبلة أبيه ابراهيم وأقدم القبلتين وادعى للقرب الى الايمان كما قال الله تعالى قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها وذلك في مسجد بنى سلمة فصلى الظهر ولما صلى الركعتين نزل قوله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فتحول في الصلاة فسمى ذلك المسجد مسجد القبلتين فلما تحولت القبلة أنكر من أنكر فكان هذا ابتلاء من الله تعالى كما قال تعالى وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ اللهم اهدنا وسددنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فللمؤمن حقا ان يعتصم بالله ويدور مع الأمر الإلهي حيث يدور ويتبع الرسل ولا يتبع عقله العاجز وفهمه القاصر ويتعلم الأدب من معدن الرسالة حيث لم يسأل تحويل القبلة بل انتظر الى امر الله فاكرمه الله بإعطاء مرامه وفضله على سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام اعلم ان الذين شقت عليهم التحويلة طائفتان محجوبتان بالخلق عن الحق اما الطائفة الاولى فقد عرفت ان التحويلة من الكعبة الى بيت المقدس كانت صورة العروج من مقام المكاشفة اعنى مقام القلب الى مقام المشاهدة اعنى مقام الروح فحسبوا التحويلة من بيت المقدس الى الكعبة بعد ابعد القرب ونزولا بعد العروج وظنوا ضياع السعى الى المقام الأشرف والسقوط عن الرتبة فشق عليهم ولم يعلموا انه صورة الرجوع الى مقام القلب حالة التمكين للدعوة ومشاهدة الجمع في عين التفصيل والتفصيل في عين
الجمع حتى لا يحتجب العبد بالوحدة عن الكثرة ولا بالكثرة عن الوحدة واما الطائفة الثانية فتقيدوا بصورة عملهم ولم يعرفوا حكمة التحويلة فحسبوا صحة العبادة الثانية دون الاولى فشق عليهم ضياعها على ما توهموا واما الذين سبقت لهم من الله الحسنى فلم يحتجبوا بحجاب واهتدوا الى ما هو الصواب فوصلوا الى التوحيد الذاتي المحمدي اللهم اجعلنا من المهتدين واحشرنا مع الأنبياء والمرسلين وقال اهل التأويل وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ اى عالم النور والظهور الذي هو جهة النصارى وقبلتهم بالحقيقة باطنه وعالم الظلمة والاختفاء الذي هو جهة اليهود وقبلتهم بالحقيقة ظاهره فَأَيْنَما تُوَلُّوا اى أي جهة توجهوا من الظاهر والباطن فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ اى ذاته المتجلية بجميع صفاته الجمالية والجلالية إذ بعد الاشراق على قلوبكم بالظهور فيها والتجلي لها بصفة جماله حالة شهودكم وفنائكم فيه والقروب فيها بتستره واحجابه بصفة جلاله حالة بقائكم بعد الفناء فأى جهة توجهوا حينئذ فثم وجهه ليس الا هو وحده: قال الحافظ
ميان كعبه وبتخانه هيچ فرقى نيست ... بهر طرف كه نظر ميكنى برابر اوست
واعلم ان شهود الحق بالخلق وشهود الخلق بالحق من غير احتجاب بأحدهما عن الآخر هو مقام جمع الجمع والبقاء وذلك لا يحصل الا بالتجلى العيني بعد العلمي قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره وإذا امر بالإرشاد يعود لخدمة الحق ألا يرى ان موسى عليه السلام