فسرنا فلما دنونا من المدينة قافلين اى راجعين نزلنا منزلا ثم نزلت من الرحل فقمت ومشيت لقضاء الحاجة حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأنى أقبلت الى رحلى فلمست صدرى فاذا عقد لى من جزع ظفار كقطام وهى بلد باليمن قرب صنعاء اليه نسبة الجزع وهو بالفتح وسكون الزاى المعجمة الخرز اليماني فيه سواد وبياض يشبه به الأعين كما فى القاموس كان يساوى اثنى عشر درهما قد انقطع فرجعت فالتمسته فحبسنى ابتغاؤه واقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي بتخفيف الحاء اى يجعلون هودجها على الرحل وهو ابو مويهبة مولى رسول الله وكان رجلا صالحا مع جماعة معه فاحتملوا هودجى فرحلوه على بعيري وهم يحسبون انى فيه بخفتى وكان النساء إذ ذاك خفافا لقلة أكلهن اى لان السمن وكثرة اللحم غالبا تنشأ عن كثرة الاكل كما فى انسان العيون فلم يستنكروا خفة الهودج حين رفعوه وذهبوا بالبعير فوجدت عقدى فجئت منازلهم وليس فيها أحد وأقمت بمنزلي الذي كنت فيه وظننت انهم سيفقدوننى فيرجعون فى طلبى فبينا انا جالسة فى منزلى غلبتنى عينى فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمى خلف الجيش قال القرطبي وكان صاحب ساقة رسول الله لشجاعته وكان من خيار الصحابة انتهى كان يسوق الجيش ويلتقط ما يسقط من المتاع كما فى الإنسان فاصبح عند منزلى فرأى سوادا اى شخص انسان نائم فاتانى فعرفنى فاستيقظت باسترجاعه اى بقوله انا لله وانا اليه راجعون اى لان تخلف أم المؤمنين عن الرفقة فى مضيقة مصيبة اى مصيبة فخمرت وجهى فى جلبابى وهو ثوب اقصر من الخمار ويقال له المقنعة تغطى به المرأة رأسها والله ما تكلمت بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه اى لانه استعمل الصمت أدبا وهوى حتى أناخ راحلته فقمت إليها فركبتها وانطلق يقود بي الراحلة حتى اتينا الجيش فى بحر الظهيرة اى وسطها وهو بلوغ الشمس منتهاها من الارتفاع وهم نازلون وبهذه الواقعة استدل بعض الفقهاء على انه يجوز الخلوة بالمرأة الاجنبية إذا وجدها منقطعة ببرية او نحوها بل يجب استصحابها إذا خاف عليها لو تركها وفى معانى الآثار للطحاوى قال ابو حنيفة وكان الناس لعائشة محرما فمع أبهم سافرت فقد سافرت مع محرم وليس غيرها من النساء كذلك انتهى يقول الفقير لعل مراد الامام رحمه الله تعالى ان ازواج النبي عليه السلام وان كان كلهن محارم للامة لانه تعالى قال (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ)
وحرم عليهم نكاحهن كما قال (وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً) الا ان عائشة كانت أفضل نسائه بعد خديجة وأقربهن منه من حيث خلافتها عنه فى باب الدين ولذا قال (خذوا ثلثى دينكم عن عائشة) فتأكدت الحرمة من هذه الجهة إذ لا بد لاخذ الدين من الاستصحاب للسفر والحضر والله اعلم قالت فلما نزلنا هلك فى من هلك بقول البهتان والافتراء وكان أول من اشاعه فى المعسكر عبد الله بن ابى ابن سلول رئيس المنافقين فانه كان ينزل مع جماعة المنافقين متبعدين من الناس فمرت عليهم فقال من هذه قالوا عائشة وصفوان فقال فجر بها ورب الكعبة فافشوه وخاض اهل المعسكر فيه فجعل يرويه بعضهم عن بعض ويحدث به بعضهم بعضا قالت فقدمنا المدينة فاشتكيت اى مرضت حين قدمت شهرا ووصل الخبر الى رسول الله والى ابوىّ ولا أشعر بشىء من ذلك غير انه يرينى ان لا اعرف من رسول الله العطف