ما يتبعه يدخل فيه وفيه دليل على جواز نسخ السنة بالكتاب ان كانت حرمة الاكل والشرب والجماع ثابتة بالسنة واما إذا كان ثبوت حرمتها بشريعة من قبلنا فلا على ما ذهب اليه بعضهم وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ اى واطلبوا ما قدره الله تعالى وأثبته في اللوح المحفوظ من الولد وفيه ان المباشر ينبغى ان يكون غرضه الولد والتناسل فانه الحكمة في خلق الشهوة وشرع النكاح لاقضاء الشهوة وحدها وفي الحديث (تناكحوا تناسلوا تكثروا فانى أباهي بكم الأمم يوم القيامة) وَكُلُوا وَاشْرَبُوا ليالى الصوم عطف على قوله باشروهن حَتَّى يَتَبَيَّنَ يظهر لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ هو أول ما يبدو من بياض النهار كالخيط الممدود دقيقا ثم ينتشر مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ هو ما يمتد من سواد الليل مع بياض النهار فان الصبح الصادق إذا بدا يبدو كأنه خيط ممدود في عرض الأفق ولا شك انه يبقى معه بقية من
ظلمة الليل بحيث يكون طرفها الملاصق لما يبدو من الفجر كأنه خيط اسود في جنب خيط ابيض لان نور الصبح انما ينشق في خلال ظلمة الليل فشبها بخيطين ابيض واسود مِنَ الْفَجْرِ اى انشقاق عمود الصبح بيان للخيط الأبيض واكتفى ببيانه عن بيان الأسود لدلالته عليه والتقدير حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الفجر من الخيط الأسود من الليل. قوله حتى يتبين غاية للامور الثلاثة اى المباشرة والاكل والشرب ففى تجويز المباشرة الى الصبح دلالة على جواز تأخير الغسل اليه وصحة صوم من أصبح جنبا لان المباشرة إذا كانت مباحة الى انفجار الصبح لم يمكنه الاغتسال الا بعد الصبح بالضرورة والا لكانت المباشرة قبل آخر الليل بقدر ما يسع الاغتسال حراما وهو مخالف لكلمة حتى ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ اى اديموا الإمساك عن المباشرة والاكل والشرب في جميع اجزاء النهار إِلى غاية اللَّيْلِ وهو دخول الليل وذاك بغروب الشمس والإتمام أداؤه على التمام وفي الحديث (إذا اقبل الليل وأدبر النهار وغابت الشمس فقد أفطر الصائم) اى دخل وقت الإفطار وانما ذكر الإقبال والأدبار وان لم يكونا الا بغروب الشمس لبيان كمال الغروب كيلا يظن أحد انه إذا غاب بعض الشمس جاز الإفطار او لانه قد يكون في واد بحيث لا يشاهد غروب الشمس فيحتاج الى ان يعمل بهما قالوا فيه دلالة على جواز النية بالنهار في صوم رمضان وعلى نفى صوم الوصال اما الاول فلان الله تعالى لما أباح المباشرة والاكل والشرب الى الفجر تبين ان ابتداء الصوم يكون بعد الفجر فيكون قوله أتموا ثم ابتدئوا بالصوم واتموه الى الليل فيكون هو امرا بالصوم بعد الفجر والصوم ليس مجرد الإمساك بل هو الإمساك مع النية فيكون قوله ثم أتموا الصيام امرا بنية الصوم بعد الفجر واما الثاني فلان الله تعالى جعل الليل غاية الصوم وغاية الشيء مقطعه فيكون بعدها الإفطار وينتفى الوصال قال بعضهم الليل غاية وجوب الصوم فاذا دخل الليل لا يجب الصوم واما ان الصوم لا يجوز بعد دخول الليل فلا دلالة للآية عليه ولان مثل هذه الأوامر اى باشروهن وكلوا واشربوا انما يكون للاباحة والرخصة لا للوجوب فلا تدل الآية على نفى صوم الوصال ولما ظن ان حال الاعتكاف كحال الصوم في ان المباشرة تحرم فيه نهارا لا ليلا بين ان المباشرة تحرم على المعتكف نهارا وليلا معا فقال وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ اى لا تجامعوهن