وَأَنْتُمْ اى والحال أنتم عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ مقيمون فيها بنية الاعتكاف وهو في الشرع لزوم المسجد والمكث لطاعة الله فيه والتقرب اليه وهو من الشرائع القديمة قال تعالى أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ نزلت فيمن كان يعتكف في المسجد فاذا عرصت له حاجة الى امرأته خرج فجامعها ثم اغتسل فرجع الى المسجد فنهوا عن ذلك فالجماع يحرم على المعتكف ويفسد الاعتكاف ولفظ المساجد يدل على جواز الاعتكاف في كل مسجد الا ان المسجد الجامع أفضل حتى لا يحتاج الى الخروج الى الجمعة والاعتكاف من اشرف الأعمال إذا كان عن اخلاص لان فيه تفريغ القلب عما سوى الله تعالى قال عطاء مثل المعتكف كرجل له حاجة الى عظيم فيجلس على بابه ويقول لا أبرح حتى يقضى حاجتى فكذلك المعتكف يجلس في بيت الله ويقول لا أبرح حتى يغفر لى وفي الحديث من مشى في حاجة أخيه فكأنما اعتكف عشرين سنة ومن اعتكف يوما جعل الله بينه وبين النار ثلاثة خنادق كل خندق ابعد مما بين الخافقين) وفي الخلوة والانقطاع عن الناس فوائد جمة يسلم منه الناس وسلم هو منهم وفيها خمول النفس والاعراض عن الدنيا وهو أول طريق الصدق والإخلاص وفيها الانس بالله والتوكل والرضى بالكفاف فان المعاشر للناس والمخالط يتكلف في معيشته البتة فاذا لا يفرق غالبا بين الحلال والحرام فيقع في الهلاك ويسلم المتخلي ايضا من مداهنة الناس وغير ذلك من المعاصي التي يتعرض الإنسان لها غالبا بالمخالطة قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره التصوف عبارة عن الاجتناب عن كل ما فيه شائبة الحرمة وصون لسانه عن الكلام اللغو والخلوة والأربعون ليست الا هذا فانه وحدة في الكثرة والمقصود من الخلوة ايضا ذلك ولكن ما يكون في الكثرة على الوجه الذي ذكرنا اثبت واحكم لان ما يكون بالخلوة يزول إذا اختلط
بين الناس وليس كذلك ما ذكر فطريقنا طريق النبي عليه السلام وطريق الاصحاب رضي الله تعالى عنهم والنبي عليه السلام لم يعين الأربعين بل الاعتكاف في العشر الأخير من رمضان نعم فعل ذلك موسى عليه السلام قال تعالى وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ والخلوتية أخذوا من ذلك كذا في واقعات الهدائى قدس سره تِلْكَ اى الاحكام التي ذكرت من أول آية الصيام الى هنا حُدُودُ اللَّهِ جمع حد وهو الحاجز بين الشيئين وجعل ما شرعه الله تعالى لعباده من الاحكام حدودا لهم لكونها أمورا حاجزة بين الحق والباطل ولكونها مانعة من مخالفاتها والتخطي عنها فَلا تَقْرَبُوها اى ان تنتهوا فلا تقربوها فضلا عن تجاوزها نهى ان يقرب الحد الحاجز بين الحق والباطل لئلا يدانى الباطل فضلا ان يتخطى كما قال عليه السلام (ان لكل ملك حمى وان حمى الله محارمه فمن رتع حول الحمى يوشك ان يقع فيه) وهو ابلغ من قوله فلا تعتدوها ولما بين تعالى احكام الصوم على وجه الاستقصاء في هذه الألفاظ القليلة بيانا شافيا قال بعده كَذلِكَ اى بيانا مثل هذا البيان الوافي الواضح فالكاف في محل النصب على انه صفة مصدر محذوف يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ والآيات دلائل الدين ونصوص الاحكام والمقصود من تعظيم البيان هدايته ورحمته على عباده فى هذا البيان لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ مخالفة أوامره ونواهيه والتقوى اتقاء الشرك. ثم بعده اتقاء المعاصي والسيئات. ثم بعده اتقاء الشهوات. ثم يدع بعده الفضلات وفي الحديث