كما ركب العقل وقبول الخطاب فى النملة السليمانية والهدهد وغيرهما من الطيور والوحوش والسباع بل وفى الحجر والشجر والتراب فهن بهذا العقل والإدراك سمعن الخطاب وانطقهن الله بالجواب حيث قال لهن أتحملن هذه الامانة على ان يكون لكنّ الثواب والنعيم فى الحفظ والأداء والعقاب والجحيم فى الغدر والخيانة فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها الإباء شدة الامتناع فكل اباء امتناع وليس كل امتناع اباء وَأَشْفَقْنَ مِنْها قال فى المفردات الإشفاق عناية مختلطة بخوف لان المشفق يحب المشفق عليه ويخاف ما يلحقه فاذا عدى بمن فمعنى الخوف فيه اظهر وإذا عدى بعلى فمعنى العناية فيه اظهر كما قال فى تاج المصادر [الإشفاق: ترسيدن ومهربانى كردن] ويعدى بعلى وأصلهما واحد. والمعنى وحفن من الامانة وحملها وقلن يا رب نحن مسخرات بامرك لا نريد ثوابا ولا عقابا ولم يكن هذا القول منهن من جهة المعصية والمخالفة بل من جهة الخوف والخشية من ان لا يؤدين حقوقها ويقعن فى العذاب ولو كان لهن استعداد ومعرفة بسعة الرحمة واعتماد على الله لما أبين وكان العرض عرض تخيير لا عرض الزام وإيجاب لان المخالفة والإباء عن التكليف الواجب يوجب المقت والسقوط عن درجة الكمال ولم يذكر تعالى توبيخا على الإباء ولا عقوبة والقول الثاني انه محمول على الفرض والتمثيل فعبر عن اعتبار الامانة بالنسبة الى استعدادهن بالعرض عليهن لاظهار مزيد الاعتناء بامرها والرغبة فى قبولهن لها وعن عدم استعدادهن لقبولها بالاباء والإشفاق منها لتهويل أمرها ومزيد فخامتها وعن قبولها بالحمل لتحقيق معنى الصعوبة المعتبرة فيها بجعلها من قبيل الأجسام الثقيلة التي يستعمل فيها القوى الجسمانية التي هى أشدها وأعظمها ما فيهن من القوة والشدة فالمعنى ان تلك الامانة فى عظم الشأن بحيث لو كلفت هاتيك الاجرام العظام التي هى مثل فى الشدة والقوة مراعاتها وكانت ذات شهود وادراك لا بين قبولها وأشفقن منها ولكن صرف الكلام عن سننه بتصوير المفروض بصورة المحقق روما لزيادة تحقيق المعنى المقصود بالتمثيل وتوضيحه وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ عند عرضها عليه كما قال الامام القشيري [امانتها بر انها عرض نمود وبر انسان فرض نمود آنجا كه عرض بود سر باز زدند واينجا كه فرض بود در معرض حمل آمدند] والمراد بالإنسان الجنس بدليل قوله (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا) اى تكلفها والتزمها مع ما فيه من ضعف البنية ورخاوة القوة لان الحمل انما يكون بالهمة لا بالقوة قال فى الإرشاد وهو اما عبارة عن قبولها بموجب استعداده الفطري او عن اعترافه يوم الميثاق بقوله بلى ولما حملها قال الله تعالى (وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ)[واين را در ظاهر مثالى هست درختانى كه اصل ايشان محكم ترست وشاخ ايشان بيشتر بار ايشان خردتر وسبكتر باز درختانى كه ضعيف ترند وسست تر بار ايشان شكرف تر است وبزركتر چون خربزه وكدو ومانند آن ليكن اينجا لطيفه ايست آن درخت كه بار او شكرف تر است وبزركتر طاقت كشيدن آن ندارد او را كفتند بار كران از كردن خويش بر فرق زمين نه تا عالميان بدانند كه هر كجا ضعيفى است مربىء او لطف حضرت عزت است اينست سر](وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) فالانسان اختص بالعشق وقبول الفيض بلا واسطة وحمله