بمتحد معى فمن اتصالية كما في قوله تعالى الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ اى بعضهم متصل بالبعض الآخر ومتحد معه وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ الطعم هنا بمعنى الذوق وهو التناول من الشيء تناولا قليلا يقال طعم الشيء إذا ذاقه مأكولا او مشروبا فَإِنَّهُ مِنِّي اى من اهل دينى إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ استثناء من قوله فمن شرب منه واعتراض الجملة الثانية وهو ومن لم يطعمه للعناية بها لان عدم الذوق منه رأسا عزيمة والاغتراف رخصة وبيان حال الاخذ بالعزيمة أهم من بيان الاخذ بالرخصة. والغرفة بالضم اسم للقدر الحاصل فى الكف بالاغتراف والغرف أخذ ماء بآلة كالكف وهو في الأصل القطع والغرفة التي هى العلية قطعة من البناء والباء متعلقة باغترف قال ابن عباس رضى الله عنهما كانت الغرفة الواحدة يشرب منها هو ودوابه وخدمه ويحمل منها قال الامام وهذا يحتمل وجهين. أحدهما انه كان مأذونا له ان يأخذ من الماء ما شاء مرة واحدة بقربة أو جرة بحيث كان المأخوذ في المرة الواحدة يكيفه ودوابه وخدمه ويحمل باقيه. وثانيهما انه كان يأخذ القليل فيجعل الله فيه البركة حتى يكفى كل هؤلاء فيكون معجزة لنبى ذلك الزمان كما انه تعالى يروى الخلق الكثير من الماء القليل في زمن محمد صلى الله عليه وسلم فَشَرِبُوا مِنْهُ اى فانتهوا الى النهر وابتلوا به وكرعوا فيه كروعا مثل الدواب ولم يقنعوا بالاغتراف فضلا عن ان لا يذوقوا منه شيأ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا على عدد اهل بدر فانهم اعترفوا فشربوا بالاكف ورووا واما الذين خالفوا فشربوا كرعا فازدادوا عطشا واسودت شفاههم وبقوا على شط النهر فعرف طالوت الموافق من المخالف فخلف الأشداء
نه بي حكم شرع آب خوردن خطاست ... وكر خون بفتوى بريزى رواست
ولما ردوا بالخلاف في صفة شرب ماء أصله حلال لكن على صفة مخصوصة وهلكوا بعد الرد فما حال من تناول الحرام المحض في الطعام والشراب كيف يقبل ويسلم. ثم انه لا خلاف بين المفسرين في ان الذين عصوا رجعوا الى بلدهم والصحيح انهم لم يجاوزوا النهر وانما رجعوا قبل المجاوزة لقوله تعالى فَلَمَّا جاوَزَهُ اى النهر هُوَ اى طالوت وَالَّذِينَ آمَنُوا وهم القليل الذين أطاعوه ولم يخالفوه فيما ندبهم اليه. وفيه اشارة الى ان من عداهم بمعزل من الايمان مَعَهُ اى مع طالوت متعلق بجاوز لا بآمنوا قالُوا اى بعض من معه من المؤمنين القليلين لبعض آخر منهم وهم الذين يظنون الآية فالمؤمنون الذين جاوز النهر صاروا فريقين فريقا يحب الحياة
ويكره الموت وكان الخوف والجزع غالبا على طبعه وفريقا كان شجاعا قوى القلب لا يبالى بالموت في طاعة الله تعالى. والقسم الاول هم الذين قالوا لا طاقَةَ قوة لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ اى بمحاربتهم ومقاومتهم فضلا عن ان يكون لنا غلبة عليهم وذلك لما شاهدوا منهم من الكثرة والقوة وكانوا مائة الف مقاتل شاكى السلاح. والقسم الثاني هم الذين أجابوهم بقولهم كم من فئة الآية قالَ كأنه قيل فماذا قال لهم مخاطبهم فقيل قال الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا نصر اللَّهَ العزيز وتأييده كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً اى كثير من