للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفئات القليلة غلبت الفئات الكثيرة. والفئة اسم للجماعة من الناس قلت او كثرت بِإِذْنِ اللَّهِ اى بحكمه وتيسيره فان دوران كافة الأمور على مشيئته تعالى فلا يذل من نصره وان فل عدده ولا يعز من خذله وان كثر أسبابه وعدده فنحن ايضا نغلب جالوت وجنوده وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ بالنصرة على العدو وبتوفيق الصبر عند الملاقاة قال الراغب في القصة ايماء ومثال للدنيا وابنائها وان من يتناول قدر ما يتبلغ به اكتفى واستغنى وسلم منها ونجا ومن تناول منها فوق ذلك ازداد عطشا ولهذا قيل الدنيا كالملح من ازداد منها عطش وفي الحديث (لو ان لابن آدم واديين من ذهب لابتغى إليهما ثالثا فلا يملأ جوف ابن آدم الا التراب ويتوب الله على من تاب) يعنى لا يزال حريصا على الدنيا حتى يموت ويمتلئ جوفه من تراب قبره الا من تاب فان الله يقبل التوبة من التائب عن حرصه المذموم وعن غيره من المذمات وهاهنا نكتة وهي ان في ذكر ابن آدم دون الإنسان تلويحا الى انه مخلوق من تراب ومن طبيعته القبض واليبس وإزالته ممكنة بان يمطر الله عليه من غمام توفيقه فللعاقل ان لا يتعب نفسه في جمع حطام الدنيا فان الرزق مقسوم اوحى الله الى داود [يا داود تريد وأريد فان رضيت بما أريد كفيتك ما تريد وان لم ترض بما أريد أتعبك ثم لا يكون الا ما أريد] فالناس مبتلون بنهر هو منهل الطبيعة الجسمانية فمن شرب منه مفرطا في الري منه بالحرص فليس من اهل الحقيقة لانه من اهل الطبيعة وعبدة الشهوات المشتغل بها عن الله الا من قنع من متاع الدنيا على ما لا بد منه من المأكول والمشروب والملبوس والمسكن ومحبة الخلق على الاضطرار بمقدار القوام فانه من اولياء الله. والحاصل ان النهر هو الدنيا وزينتها ومن بقي على شطها واطمأن بها كثير ممن جاوزها ولم يلتفت إليها فان اهل الله اقل من القليل واهل الدنيا لا يحصى عددهم رزقنا الله وإياكم القوة والقناعة ولم يفصلنا عن اهل السنة والجماعة- روى- انه عليه السلام قال في وصيته لابى هريرة رضى الله عنه (عليك يا أبا هريرة بطريق أقوام إذا فزع الناس لم يفزعوا وإذا طلب الناس الامان من النار لم يخافوا) قال ابو هريرة من هم يا رسول الله قال (قوم من أمتي في آخر الزمان يحشرون يوم القيامة محشر الأنبياء إذا نظر إليهم الناس ظنوهم أنبياء مما يرون من حالهم حتى أعرفهم انا فاقول أمتي أمتي فيعرف الخلائق انهم ليسوا أنبياء فيمرون مثل البرق او الريح تغشى أبصار اهل الجمع من أنوارهم) فقلت يا رسول الله مرنى بمثل عملهم لعلى الحق بهم فقال (يا أبا هريرة ركب القوم طريقا صعبا آثروا الجوع بعد ما أشبعهم الله والعرى بعد ما كساهم الله والعطش بعد ما ارواهم الله تركوا ذلك رجاء ما عند الله تركوا الحلال مخافة حسابه صحبوا الدنيا بأبدانهم ولم يشتغلوا بشئ منها عجبت الملائكة والأنبياء من طاعتهم لربهم طوبى لهم وددت ان الله جمع بينى وبينهم) ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا إليهم ثم قال عليه السلام (إذا أراد الله باهل الأرض عذابا فنظر إليهم صرف العذاب عنهم فعليك يا أبا هريرة بطريقهم) : قال الشيخ العطار قدس سره

در راه تو مردانند از خويش نهان مانده ... بي جسم وجهت كشته بي نام ونشان مانده

تنشان بشريعت هم دلشان بحقيقت هم ... هم دل شده وهم جان نه اين ونه آن مانده

<<  <  ج: ص:  >  >>