فى السموات والأرض فافهم جدا فكذلك لما اخبر الله تعالى عن آدم بما يتعلق بجسمانيته ذكره بالخلقية كما قال إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ ولما اخبر عما يتعلق بروحانيته ذكره بالجعلية وقال إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً وفي انى جاعل اشارة اخرى وهو اظهار عزة آدم عليه السلام على الملائكة لينظروا اليه بنظر التعظيم ولا ينكروا عليه بما يظهر منه ومن أولاده من أوصاف البشرية فانه تعالى يقول ولذلك خلقهم وسماه خليفة وما شرف شيأ من الموجودات بهذه الخلقة والكرامة وانما سمى خليفة لمعنيين أحدهما انه يخلف عن جميع المخلوقات ولا يخلفه المكونات بأسرها وذلك لان الله جمع فيه ما في العوالم كلها من الروحانيات والجسمانيات والسماويات والأرضيات والدنيويات والاخرويات والجماديات والنباتيات والحيوانيات والملكوتيات فهو بالحقيقة خليفة كل وأكرمه باختصاص كرامة ونفخت فيه من روحى وما أكرم بها أحدا من العالمين وأشار الى هذا المعنى بقوله تعالى وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ فلهذا الاختصاص ما صلح الموجودات كلها ان تكون خليفة لآدم ولا للحق تعالى والثاني انه يخلف وينوب عن الله صورة ومعنى اما صورة فوجوده في الظاهر يخلف عن وجود الحق في الحقيقة لان وجود الإنسان يدل على وجود موجده كالبناء يدل على وجود الباني ويخلف وحدانية الإنسان عن وحدانية الحق وذاته عن ذاته وصفاته عن صفاته فيخلف حياته عن حياته وقدرته عن قدرته وإرادته عن إرادته وسمعه عن سمعه وبصره عن بصره وكلامه عن كلامه وعلمه عن علمه ولا مكانية روحه عن لا مكانيته ولا جهتيته عن لا جهتيته فافهم ان شاء الله تعالى وليس لنوع من المخلوقات ان يخلف عنه كما يخلف آدم وان كان فيهم بعض هذه لانه لا يجتمع صفات الحق في أحد كما يجتمع في الإنسان ولا يتجلى صفة من صفاته لشئ كما يتجلى لمرآة قلب الإنسان صفاته واما الحيوانات فانها وان كان لها بعض هذه الصفات ولكن ليس لها علم بوجود موجدها واما الملائكة فانهم وان كانوا عالمين بوجود موجدهم ولكن لا يبلغ حد علمهم الى ان يعرفوا أنفسهم بجميع صفاتها ولا الحق بجميع صفاته ولذا قالوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا وكان الإنسان مخصوصا بمعرفة نفسه بالخلافة وبمعرفة جميع اسماء الله تعالى واما معنى فليس في العالم مصباح يستضئ بنار نور الله فيظهر أنوار صفاته في الأرض خلافة عنه الا مصباح الإنسان فانه مستعد لقبول فيض نور الله لانه اعطى مصباح السر في زجاجة القلب والزجاجة في مشكاة الجسد وفي زجاجة القلب زيت الروح يكاد زيتها يضئ من صفات العقل ولو لم تمسسه نار النور وفي مصباح السر فتيلة الخفاء فاذا أراد الله ان يجعل في الأرض خليفة يتجلى بنور جماله لمصباح السر الإنساني فيهدى لنوره فتيلة خفاء من يشاء فيستنير مصباحه بنار نور الله فهو على نور من ربه فيكون خليفة الله في ارضه فيظهر أنوار صفاته في هذا العالم بالعدل والإحسان والرأفة والرحمة لمستحقيها وبالعزة والقهر
والغضب والانتقام لمستحقيها كما قال تعالى (يا داود انا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) وقال لحبيبه عليه السلام بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ وقال في حقه وحق المؤمنين مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ولم يظهر هذه الصفات لا على الحيوان ولا على الملك وناهيك بحال هاروت وماروت لما أنكرا على ذرية آدم من اتباع الهوى والقتل