والظلم والفساد وقالا لو كنا بدلا منهم خلفاء الأرض ما كنا نفعل مثل ما يفعلون فالله تعالى انزلهما الى الأرض والبسهما لباس البشرية وأمرهما ان يحكما بين الناس بالحق ونهاهما عن الشرك والقتل بغير حق والزنى وشرب الخمر قال قتادة فما مر عليهما شهر حتى افتتنا فشربا الخمر وسفكا الدم وزنيا وقتلا وسجدا للصنم فثبت ان الإنسان مخصوص بالخلافة وقبول فيضان نور الله فلو كان للملائكة هذه الخصوصية لما افتتنا بهذه الأوصاف المذمومة الحيوانية والسبعية كما كان الأنبياء عليهم السلام معصومين من مثل هذه الآفات والأخلاق وان كانت لازمة لصفاتهم البشرية ولكن بنور التجلي تنور مصباح قلوبهم واستنار بنور قلوبهم جميع مشكاة جسدهم ظاهرا وباطنا وأشرقت الأرض بنور ربها فلم يبق لظلمات هذه الصفات مجال الظهور مع استعلاء النور فالملائكة من بدو الأمر لما نظروا الى جسد آدم شاهدوا ظلمات البشرية والحيوانية والسبعية في ملكوت الجسد بالنظر الملكوتي الملكي ولم تكن تلك الصفات غائبة عن نظرهم قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ فقولهم هذا يدل على معان مختلفة منها ان الله أنطقهم بهذا القول ليتحقق لنا ان هذه الصفات الذميمة في طينتنا مودعة وجبلتنا مركبة فلانأمن من مكر أنفسنا الأمارة بالسوء ولا نعتمد عليها ولا نبرئها كما قال تعالى حكاية عن قول يوسف عليه السلام وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي ومنها لنعلم ان كل عمل صالح نعمله هو بتوفيق الله إيانا وفضله ورحمته وكل فساد وظلم نعمله هو من شؤم طبيعتنا وخاصية طينتنا كما قال تعالى ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وكل فساد وظلم لا يجرى علينا ولا يصدر منا فذلك من حفظ الحق وعصمة الرب لقوله إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي ومنها لنعلم ان الله تعالى من كمال فضله وكرمه قد قبلنا بالعبودية والخلافة وقال من حسن عنايته في حقنا للملائكة المقربين إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ لكيلا نقنط من رحمته وننقطع عن خدمته ومنها لنعلم ان فساد الاستعداد امر عظيم وبناء جسيم ومبنى الخلافة على الاستعداد والقابلية وليس للملائكة هذا الاستعداد والقابلية فلا نتغافل عن هذه السعادة ونسعى في طلبها حق السعاية ومنها ان الملائكة انما قالوا أَتَجْعَلُ فِيها إلخ لانهم نظروا الى جسد آدم قبل نفخ الروح فشاهدوا بالنظر الملكي في ملكوت جسده المخلوق من العناصر الاربعة المتضادة صفات البشرية والبهيمية والسبعية التي تتولد من تركيب أضداد العناصر كما شاهدوها في أجساد الحيوانات والسباع الضاريات بل عاينوها فانها خلقت قبل آدم فقاسوا عليها أحواله بعد ان شاهدوها وحققوها وهذا لا يكون غيبا في حقهم وانما يكون غيبا لنا لانا ننظر بالحس والملكوت يكون لاهل الحس غيبا ومنا من ينظر بالنظر الملكوتي فيشاهد الملائكة والملكوتيات بالنظر الروحاني كما قال تعالى وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وقال أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فحينئذ لا يكون غيبا فالغيب ما غاب عنك وما شاهدته فهو شهادة فالملكوت للملائكة شهادة والحضرة الإلهية لهم غيب وليس لهم الترقي الى تلك الحضرة وان في الإنسان صورة من عالم الشهادة المحسوسة وروحا من عالم الغيب الملكوتي غير المحسوس وسرا مستعدا لقبول فيض الأنوار الإلهية فبالتربية يترقى من عالم الشهادة الى عالم الغيب وهو