للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صاحب مصر والإسكندريّة (١). فمضى حاطب بكتب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فلمّا انتهى إلى الإسكندريّة وجد المقوقس في مجلس مشرف على البحر، فركب البحر، فلمّا حاذى مجلسه أشار بكتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم بين أصبعه. فلمّا رآه أمر بالكتاب فقبض وأمر به، فأوصل إليه، فلمّا رآه أجلسه وتناول منه الكتاب، وأنزله في منزله.

(قال): فأقمت عنده ليالي، ثمّ بعث إليّ وقد جمع بطارقته فقال: إنّي [٣١٨ أ] سأكلّمك بكلام أحبّ أن تفهمه منّي.

(قال): قلت: هلمّ!

قال: أخبرني عن صاحبك: أليس هو نبيّا؟

(قال): قلت: بلى، هو رسول الله.

قال: فما له، حيث كان هكذا، لم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلدته إلى غيرها؟

فقلت له: فعيسى ابن مريم، أتشهد أنّه رسول الله؟ فما باله حيث أخذه قومه وأرادوا صلبه ألّا يكون دعا (٢) عليهم بأن يهلكهم الله، حتى رفعه الله إليه في سماء الدنيا؟

فقال: أحسنت! أنت حكيم جاء من عند حكيم. هذه هدايا أبعث بها معك إلى محمّد، وأرسل معك من يبلّغك إلى مأمنك.

وفي رواية أنّ المقوقس قال لحاطب: ما منعه، إن كان نبيّا، أن يدعو عليّ فيسلّط عليّ؟

فقال له حاطب: ما منع عيسى ابن مريم أن يدعو على من أبى عليه أن يفعل به ويفعل؟

فوجم ساعة ثمّ استعادها فأعادها عليه حاطب،

فسكت. فقال له حاطب: إنّه قد كان قبلك رجل زعم أنّه الربّ الأعلى فانتقم الله به ثمّ انتقم منه، فاعتبر بغيرك، ولا يعتبر بك. وإنّ لك دينا لن تدعه إلّا لما هو خير منه، وهو الإسلام الكافي الله به فقد ما سواه، وما بشارة موسى بعيسى إلّا كبشارة عيسى بمحمّد. وما دعاؤنا إيّاك إلى القرآن إلّا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل. ولسنا ننهاك عن دين المسيح، ولكنّا نأمرك به.

[ثمّ] إنّ المقوقس أعاد حاطب بن أبي بلتعة بكتاب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وجهّز معه هديّة ورسولا يقال له ابن جبر، فيقال: إنّ حاطب بن أبي بلتعة لمّا قدم المدينة ودخل على النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنشده أبياتا- ويشبه أن تكون مصنوعة (٣) - وهي [الكامل]:

انعم صباحا يا وسيلة أمّة ... ترجو النجاة به غداة الموقف

إنّي مضيت إلى الذي أرسلتني ... أطوي المهامه في الطريق الأخوف

حتى رأيت بمصر صاحب ملكها ... فبدا إليّ بمثل قول منصف

فقرا كتابك حين فكّ ختامه ... فاهتزّ يرعد كاهتزاز المرجف

٥ قال الأساقفة الذين تجمّعوا ... ماذا أراعك من كتاب المسرف؟

قال: اسكتوا يا ويلكم وتأدّبوا ... هذا كتاب نبيّ دين المصحف

قالوا: وهمت! فقال: لست بواهم ... بل قد عرفت بيان حقّ الأحرف

في كلّ سطر من كتاب محمّد ... خطّ يلوح لناظر متوقّف

هذا الكتاب كتابه لك خاضعا ... يا خير مولود بحقّك يكتفي


(١) خبر هذه الرسالة مقتضب عند ابن هشام مفصّل في سيرة دحلان ٢/ ١٧٣.
(٢) في أسد الغابة ١/ ٤٣٣: فما باله لم يدع عليهم؟
(٣) هي في نظره مصنوعة ولكنّه ينقلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>