للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثامن ربيع الأوّل. ثمّ كره ذلك جيكويه فاستعدّ حبشيّ، وأقام كلّ من الفريقين بالجيزة، والأمير يومئذ بمصر أحمد بن كيغلغ، والقائم بتدبير الأمور أبو بكر محمد بن عليّ الماذرائيّ.

فبينا هم في ذلك إذ أتاهم محمد بن تكين يوم الأحد ثالث عشره ونزل الجيزة مع جند مصر، وبعث يأمر حبشيّ بطاعته، فامتنع من ذلك ورجع فيمن معه إلى الصعيد، ولحق به محمد بن عيسى النوشريّ (١)، وهم على الدعاء لأحمد بن كيغلغ. ثمّ عدّى حبشيّ النيل بأصحابه إلى البرّ الشرقيّ، ثمّ سارا إلى الفسطاط، فعسكر محمد بن تكين ببركة المعافر (٢) فبيّتته طائفة من المغاربة ليلة السبت لثلاث خلون من ربيع الآخر [سنة ٣٢٢] وقتل من الفريقين جماعة. ثمّ التقوا من الغد، فانهزمت المغاربة إلى الجيزة ونزلوا بولاق.

فعقد محمد بن تكين لجيكويه وأحمد بن بدر السميساطيّ على آلاف من الجند في طلاب حبشي حيث كان. فالتقوا ببلقينة يوم السبت لتسع بقين من جمادى الآخرة [سنة ٣٢٢]، واقتتلوا قتالا شديدا، فانهزم جيكويه وأحمد بن بدر وتبعهم المغاربة فقتلوا منهم خلقا كثيرا، وعدّوا النيل إلى بلبيس، فلحق بهم كثير من أصحاب محمد بن

تكين وصاروا كلّهم مع أحمد بن كيغلغ، وفرّ محمّد بن تكين في سادس رجب ثم عاد.

فخرج إليه حبشيّ وقاتله فيما بين فاقوس وبلبيس (٣)، فهزمه ثمّ أسره وبعثه إلى الفسطاط، فقدم الخبر بمسير محمد بن طغج من دمشق إلى مصر، فبعث أحمد بن كيغلغ بحبشيّ فيمن معه إلى الفرما ليمنع محمد بن طغج من المسير. فلمّا هزم صاعد بن الكلملم عليّ بن بدر [٤٢٣ ب]، وكفّ أحمد بن كيغلغ عن قتال محمد بن طغج وسلّم إليه مصر، كره حبشي والمغاربة المقام معه، فركبوا طريق الشرقيّة، ومعهم بجكم، وعلي بن بدر ونظيف النوشري، وعلي المعدني (٤)، ولحقوا بالفيّوم. فخرج إليهم صاعد فقاتله حبشيّ وقتله، ومضى من الفيّوم إلى الإسكندريّة في جيش فأقام بها، وبعث عليّ بن بدر وبجكم في المراكب التي غنموها من صاعد بن الكلملم، فصبحوا الفسطاط أوّل يوم من ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين [وثلاثمائة]، فأرسوا بالجزيرة تجاه الفسطاط، وكانت الصناعة بها إذ ذاك فشعّثوها، فركب محمّد بن طغج في عسكره ووقف بحيالهم من غير أن يستطيع دفعهم لما بينه وبينهم من النيل.

ثمّ انحدروا من الجزيرة إلى الإسكندريّة آخر النهار، ولقوا حبشيّ وساروا جميعا إلى برقة، وكتبوا لصاحب إفريقيّة (٥) يستأذنونه في القدوم عليه وأن يمدّهم بجيش ليأخذوا له [٣١٩ ب] مصر، فإنّهم يعلمون وجوه الحرب وكيف الوصول إليها.

فبينا هم في ذلك مات حبشي في صفر سنة أربع


(١) هو ابن عيسى النوشري الذي كان أمير مصر عند مرور المهديّ بها قاصدا إفريقيّة. ومحمّد هذا ولّاه أحمد بن كيغلغ شرطة مصر سنة ٣٢٣ (كتاب الولاة والقضاة ٢٨٥).
(٢) بركة المعافر أو بركة حمير أو بركة الحبش. قال ياقوت:
هي وهدة من الأرض واسعة مشرفة على النيل خلف القرافة، وقال: ليست ببركة للماء وإنّما شبّهت بها.
ولكنّ الكندي (ولاة، ١١٥) قال: إنّ يزيد بن حاتم المهلّبيّ هو الذي ابنتى هذه الفسقيّة لقومه المعافر، وأجرى إليها الماء.
(٣) يضيف الكندي ٢٨٥: بموضع يقال له: الطواحين.
(٤) في قراءة ناشر كتاب الولاة والقضاة ٢٨٦: نظيف الموسويّ، وعليّ المغربيّ.
(٥) صاحب إفريقيّة هو إذ ذاك القائم بأمر الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>