للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من قبل أبي منصور تكين أمير مصر. فخرج إلى سرت ولقي حباسة فاقتتلا وانتصف كلّ منهما وامتنع من صاحبه. فعزل تكين أبا النمر بخير المنصوري.

وبلغ ذلك حباسة، فبعث إلى أبي النمر، وهو مواقفه: «ما يحملك على حربنا وأنت معزول؟ » وبعث إليه بكتاب ورد عليه من مصر بذلك.

فانصرف أبو النمر إلى برقة، وتبعه حباسة، ومضى أبو النمر إلى مصر، فملك حباسة برقة.

وخرج منها فلقي خير المنصوري وهزمه، وأقبل بجيوشه إلى الإسكندريّة، فدخلها يوم السبت لثمان خلون من المحرّم سنة اثنتين وثلاثمائة، ومعه ما يزيد على مائة ألف. فقدم القاسم بن سيما (١) من العراق، وقدمت الجيوش مددا لتكين. فخرج أوّل العسكر من مصر إلى الجيزة في خامسجمادى الأولى منها، وخرج تكين في تاسعه فعسكر بها.

وخرج حباسة من الإسكندريّة، فعسكر بمشتول من أرض الجيزة. ونودي بالنفير في الفسطاط لعشر بقين من جمادى الآخرة، فلم يتخلّف عن الخروج إلى الجيزة أحد من الخاصّة والعامّة، إلّا نفر [ا] يعذرون بعلّة أو حال عجز عن الحركة. ثمّ انصرفوا عشاء ولم يكن لقاء.

ثمّ نودي بالنفير يوم الخميس بعد ذلك بيومين.

فخرج الناس خروجا لم ير مثله قطّ في الاجتماع والنشاط وحسن البصيرة. وأتاهم حباسة في جيشه يومئذ فيما بين الظهر والعصر، فالتقوا فكثرت

القتلى بينهم، وقتل أكثر رجال حباسة وانهزم باقيهم، فتبعهم جمع من الرعيّة، وعبروا خلفهم خليج بوهة (٢)، وقد دخل الليل، فخرج عليهم كمين لحباسة بعد الغروب، فقتل منهم نحوا من عشرة آلاف.

وأصبح الجند على مصافّهم بالجيزة يوم الجمعة، وفيه نودي بالنفير وقت صلاة المغرب، فاضطرب الناس لذلك اضطرابا شديدا، وخرجت الرعيّة إلى الجيزة ليلهم كخروجهم بالأمس. ثمّ عادوا إلى [٤١٢ ب] الفسطاط غداة يوم السبت ولم يكن لقاء.

وعاد حباسة إلى الغرب، فعند وصوله إلى المهديّة قتله المهدي [ ... ].

وقال نافع بن محمد بن عمرو في واقعة حباسة [الطويل]:

ألا شقّ جيب الصّبر إن كنت موجعا ... ولا يلف لاح فيك للعذل مطمعا

لما دهم الإسلام من فجع حادث ... تهمّ له أركانه أن تضعضعا

لمصرع إخوان على الدين صرّعوا ... لنصرة دين الله يا لك مصرعا!

فماتوا كراما ما استضيموا أعزّة ... يلاقون في الله الأسنّة شرّعا

٥ ألم ترهم يوم الخميس، وقد غدا ... عدوّهم فيمن أعدّ وأجمعا؟

وقد صاح فيهم بالنفير أميرهم ... فجاءوا سراعا، حاسرين ودرّعا

فصادمهم في الناكثين فأيّدوا ... وكان حماة الدين أعلى وأمنعا (٣)


- المعارف الإسلامية ١/ ١٠٤). وفي اللسان (بنى): هم أولاد الفرس الذين استقرّوا باليمن بعد محاربتهم للحبشة وتزوّجوا من العرب.
(١) القاسم بن سيما الفرغاني، أحد قوّاد المكتفي والمقتدر (العيون والحدائق ٥٦٨، وفيها أنّه مات سنة ٣٠٥).
(٢) خليج بوهة: لم نتعرّف عليه.
(٣) في ولاة مصر ٢٧١: فابدءوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>