وقال [أبو] عاصم النبيل عن جويرية بنت أسماء: لقي الوليد بن عبد الملك عبد الله بن جعفر عند عبد الملك بن مروان، فقال له:
أزوّجت الحجّاج؟
فقال: أنا زوّجته؟ والله ما زوّجه إلّا أبوك! فما مثلي ومثلكم في ذلك إلّا كما قال الشاعر [الوافر]:
ومن يك نائيا وتكن أخاه ... أبا الضحّاك ينتهج الشمالا [٣٣١ ب]
وإنّما اشتريت بها خيط رقبتي.
ويقال: إنّ الذي سعى على الحجّاج في أمر أمّ كلثوم حتّى أمره عبد الملك بطلاقها خالد بن يزيد بن معاوية، فإنّه قال لعبد الملك: يا أمير المؤمنين، والله إن كان في العرب أهل بيت أبغض إليّ من آل الزبير، فلمّا أصهرت إليهم أحببتهم، وإنّي لا آمن الحجّاج أن يميل إلى بني هاشم.
فكتب إليه عبد الملك يأمره بطلاقها، فقال الحجّاج: «هذا عمل ابن الرطبة. أما والله لأنكحنّ أمسّ به منها رحما! »، فتزوّج أمّ الجلاس بنت سعيد بن عبد الرحمن.
واعتمر الحجّاج في خلافة الوليد بن عبد الملك فأسرع السير، وجمّع بمكّة ثمّ جمّع بالبصرة، وسار معه رجال من أهل البصرة وغيرهم، فلم يثبت في السير معه إلّا زريق بن مسلم بن عمرو الباهلي، فإنّه ثبت على ناقة لم يحوّل عنها رجلا حتّى دخل البصرة.
ونعس عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر وهو مع الحجّاج فنفض عمامته وهو يسير، ثمّ قال: «يا غلام، دونك العمامة! »، فألقاها لا يشكّ في أنّه تناولها غلامه في بيته، فذهبت عمامته. فقال له الحجّاج حين أصبح: أين عمامتك أبا عبد الرحمن؟
قال: حيث جعل الأمير يده! - وكان الحجّاج أراد أن يأكل فأصابت يده لحيته فلطّخها، وهو لا يعلم، من غلبة النعاس.
فقال الحجّاج السلاماني يذكر سير الحجّاج:
ما سار من مكّة إلّا سبعا ... يقطّعن أحواز المطيّ قطعا
يحملن خرقا من ثقيف ينعى
وأسرع السير من الشام في وفادة وفدها، فرجز جرير بين يديه:
لمّا بدا الحجّاج بين الموكب ... بين قريش وبني معتب
كالبدر يغشى البدر كلّ كوكب
وقال فيه الفرزدق وغيره.
وقيل: إنّ الحجّاج لم يحجّ في عمله على العراق، وقيل: بل حجّ، فقام إليه وهو بمنى رجال من أهل الحجاز فسألوه، فقال: نوّهتم بنا بغير بلادنا، وما لكم مترك، من هنا من أهل العراق؟
فقام إليه تجّار فقال: هل من سلف؟
قالوا: نعم.
فحملوا إليه ألف ألف فقسمها، فلمّا قدم العراق ردّها ومثلها.
ونظر الحجّاج مرّة إلى جعل، فقال: لعنها الله فإنّها من وذح (١) إبليس.
وسمع مرّة يقول: «أرسولك أفضل أم خليفتك؟ » فسمعه جبلة بن [ ... ] فقال: «لله عليّ ألّا أصلّي خلفه أبدا. وإن رأيت من يجاهده لأجاهدنّه معه! »، فخرج مع عبد الرحمن بن الأشعث وقتل معه.
وخطب يوما فأقبل عن يمينه فقال: «ألا إنّ الحجّاج كافر! » ثمّ أطرق، ثمّ أقبل عن يساره،
(١) الوذح: ما يتعلّق بأصواف الغنم من قاذورات.