للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حتّى استمرّت على شزر مريرته ... مستحكم الرأي لا قحما ولا ضرعا

فقام إليه رجل فقال: أصلح الله الأمير، والله كأنّي أسمع الساعة قطريّا وهو يقول: «المهلّب كما قال لقيط الإياديّ»، ثمّ أنشد هذا الشعر.

فسرّ [ثمّ قال: ] فدعوا هذه الأنفس فإنّها أسأل شيء إذا أعطيت وأمنع شيء إذا سئلت. فرحم الله امرءا جعل لنفسه خطاما وزماما، فخطامها طاعة الله، وعطفها بزمامها عن معصية الله، فإنّي رأيت الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذابه.

وكان يقول: إنّ امرءا أتت عليه ساعة من عمره، ولم يذكر فيها ربّه، أو يستغفر من ذنبه، أو يفكّر في معاده، لجدير أن تطول حسرته يوم القيامة.

والحجّاج أوّل من أجرى في البحر السفن المقيّرة المسمرة غير المخرّزة والمرهونة (١). وهو أوّل من اتّخذ المحامل، وفيه يقول الراجز من أبيات:

أوّل عبد عمل المحاملا ... أخزاه ربّي عاجلا وآجلا

وكتب يزيد بن المهلّب بن أبي صفرة إلى الحجّاج: «وإنّ العدوّ نزل بعرعرة الخيل، ونزلنا بالحضيض»، فقال الحجّاج: ليس هذا من كلام يزيد، فمن هنالك؟

قال: يحيى بن يعمر (٢).

فكتب إلى يزيد أن يشخصه.

فلمّا قدم عليه قال له: أسمعتني ألحن؟

قال: الأمير أفصح من ذلك.

فأعاد عليه القول وأقسم، فقال: نعم، تجعل إنّ مكان أنّ.

فقال له: ارحل عنّي ولا تجاورني!

ويروى عن محمد بن المنتشر بن الأجدع الهمداني (٣)، قال: دفع إليّ الحجّاج أزادمرذ بن الهربذ أحد الدهاقين وأمرني أن أستخرج منه مالا وأغلظ عليه. فلمّا انطلقت به قال لي: يا محمّد، إنّ لك شرفا ودينا، وإنّي لا أعطي على القسر شيئا، فاستأذني وارفق يبي. (قال: ) فقلت: تؤدّي إليّ في أسبوع خمسمائة ألف. فبلغ ذلك الحجّاج فأعضبه وانتزعه من يدي، ودفعه إلى رجل كان يتولّى له العذاب، فدقّ رجليه ويديه ولم يعطهم شيئا. (قال محمد بن المنتشر): فإنّي لأمرّ يوما في السوق، وإذا صائح بي: «يا محمّد! » فالتفتّ، فإذا [أنا] به معرّضا على حمار، مدققوق اليدين والرجلين. فخفتالحجّاج إن أتيته، وتذمّمت منه فملت إليه فقال لي: إنّك وليت منّي ما ولي هؤلاء، فأحسنت. وإنّهم صنعوا بي ما ترى ولم أعطهم شيئا. وههنا خمسمائة ألف عند فلان، فخذها فهي لك. (قال) فقلت: ما كنت لآخذ منك على معروفي أجرا، ولا لأرزأك على هذه الحال شيئا.

قال: فأمّا إذ أتيت فاسمع أحدّثك: حدّثني بعض أهل دينك عن نبيّك صلّى الله عليه وسلم [أنّه] قال: إذا رضي الله عن قوم أمطرهم في وقته، وجعل المال في سمحائهم، واستعمل عليهم خيارهم. وإذا سخط عليهم استعمل عليهم شرارهم، وجعل المال عند


(١) لم نفهم المقصود بالمرهونة.
(٢) ليحيى بن يعمر خبر آخر مع الحجّاج في العقد ٢/ ١٧٥ و ٥/ ٢٠.
(٣) حاشية في الهامش: محمد بن المنتشر بن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعيّ الكوفيّ: ابن أخي مسروق (بن الأجدع). سمع عائشة. روى عنه ابنه إبراهيم في الغسل. والخبر في العقد ٥/ ٢٩، والوفيات ٢/ ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>