للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فكلّم فيه أبا الخطّار فأغلظ له فردّ عليه الصميل، فأقيم وضرب قفاه فمالت عمامته (١)، وخرج فقيل له: نرى عمامتك مالت.

فقال: إن كان لي قوم فسيقيمونها.

ثمّ مضى فجمع له كما ذكر في ترجمته (٢)، وأتى شذونة فاستخلف أبو الخطّار على قرطبة، وخرج إليهم فاقتتلوا في رجب سنة سبع وعشرين ومائة قتالا شديدا فانهزم أبو الخطّار وأسر، بعد ما قتل أصحابه شرّ قتل، وسجنه الصميل وثوابة بن سلامة الجذامي بقرطبة، وملكها ثوابة.

فثار عبد الرحمن بن حسّان الكلبي وأخرج أبا الخطّار من السجن (٣) واستجاش اليمانيّة، فاجتمع له خلق كثير وأقبل بهم إلى قرطبة وقاتل ثوابة والصميل ومعهما المضريّة واليمانيّة. فلمّا اشتدّت الحرب نادى رجل: يا معشر اليمانيّة، ما لكم تتعرّضون للحرب على أبي الخطّار، وقد جعلنا الأمير منكم؟

- يعني ثوابة، فإنّه كان من اليمن- ولو أنّ الأمير منّا لقد كنتم تعذرون في قتالكم لنا. وما نقول هذا إلّا تحرّجا من الدماء ورغبة في عافية العامّة!

فقال الناس: صدق والله! والأمير منّا، فما بالنا نقاتل قومنا؟

وتركوا القتال وافترقوا، وفرّ أبو الخطّار إلى باجة ورجع ثوابة إلى قرطبة، فسمّي ذلك العسكر عسكر العافية (٤).

فلمّا مات ثوابة في سنة تسع وعشرين [ومائة]، وأقام الصميل بعده يوسف بن عبد الرحمن الفهري، قال أبو الخطّار: إنّما أراد الصميل أن يصيّر الأمر إلى مضر- وسعى في الناس حتى ثارت الفتنة بين اليمن ومضر، واجتمعت اليمنيّة إليه والمضريّة إلى الصميل، وتزاحفوا واقتتلوا أيّاما كثيرة قتالا لم يكن بالأندلس أعظم منه. ثمّ أجلت الحرب عن هزيمة اليمنيّة، فمضى أبو الخطّار منهزما واستتر في رحى [بشقندة] كانت للصميل، فدلّ عليه فأخذه الصميل وقتله.

وكان شجاعا ذا رأي وكرم، وهو الذي قسم كور الأندلس على أجناد الشام لمّا كثروا عنده، ولم تحملهم قرطبة ففرّقهم في البلاد، فأنزل أهل دمشق إلبيرة لشبهها بها وسمّاها دمشق، وأنزل أهل حمص إشبيلية وسمّاها حمص، وأنزل أهل قنّسرين بجيّان وسمّاها قنّسرين، وأنزل أهلالأردنّ بريّه وسمّاها الأردنّ، وأنزل أهل فلسطين بشذونة وسمّاها فلسطين، وأنزل أهل مصر بتدمير وسمّاها مصر لشبهها بها، فجرت أسماء هذه الكور على ذلك مدّة.

وكان أبو الخطّار مع فروسيّته وكرمه شاعرا محسنا، فمن شعره قوله [البسيط]:

إنّ ابن بكر كفاني كلّ معضلة ... وحطّ عن غاربي ما كان يؤذيني

إذا اتّخذت صديقا أو هممت به ... فاعمد لذي حسب ترضاه أو دين

ما قدّر الله في مالي وفي ولدي ... لا بدّ يدركني، لو كنت في الصين


- الغسّاني (يمنيّة)، والكنانيّ (قيسيّة).
(١) في النفح: فأقيم من مجلسه وتقنّع ولعلّها: وقنّع أي ضرب على رأسه.
(٢) ترجمة الصميل مفقودة.
(٣) في البيان المغرب ٢/ ٣٥، أنّ أبا الخطّار أفلت من سجنه، لا غير، ولكنّه يزيد بعد حين: أخرجه عبد الرحمن بن نعيم الكلبيّ وهرب به إلى لبلة.
(٤) في البيان ٢/ ٣٤ تبرير آخر لهذا الاسم: هو جيش أبي-
الخطّار وقد أطلق سراح المسلمين من البربر وغيرهم الذين نادى ثعلبة بن سلامة ببيعهم في سوق قرطبة بعد انتصاره على البربر الثائرين.

<<  <  ج: ص:  >  >>