وفي سنة تسع وخمسين خطب لهم بمكّة، وساروا إلى دمشق في سنة ستّين وثلاثمائة، وقتلوا جعفر بن فلاح في ذي القعدة، وكبيرهم يومئذ الحسن بن أحمد صاحب الترجمة.
وكان سبب حركته هذه أنّ ظالم بن مرهوب العقيلي لمّا انهزم من جعفر بن فلاح عن بلاد حوران والبثنيّة لحق بالإحساء، وحثّ القرامطة على المسير إلى أخذ الشام، فصادف ذلك منهم الغرض: فإنّ المال الذي كان يحمل إليهم من مصر انقطع عند دخول القائد جوهر بعساكر المعزّ لدين الله إلى مصر، فبعثوا العرفاء لجميع العرب، وسار الحسن بن أحمد إلى الكوفة فوافاه من استجاب له من العربان، وأنفذ إلى بغداد يطلب المال، فجهّز إليه خزانة سلاح وأربعمائة ألف درهم أحيل بها على أبي تغلب فضل الله بن ناصر الدولة الحسين بن حمدان، وهو على الرحبة.
فسار الحسن إلى الرحبة وحمل إليه أبو تغلب العلوفة والمال المرسوم به، وتوجّه إلى دمشق، وقد صحبه كثير من عسكر أبي تغلب ومن انهزم من الإخشيديّة، فخرج إليه أبو الفضل [٥١١ أ] جعفر بن فلاح وقاتله، فقتل جعفر.
ونزل الحسن يوم الخميس سادس ذي القعدة [سنة ٣٦٠] على المزّة خارج دمشق، وجبى من المدينة مالا كثيرا، وسار إلى الرملة من دمشق يوم الثلاثاء لإحدى عشرة خلت من ذي القعدة وقد استخلف عليها ظالم بن مرهوب، واجتمع عليه عرب الشام وكثير من الأتباع والأجناد، ونازل يافا، وبها سعادة بن حيّان، وقاتله، ثمّ رحل عنها.
وترك على حصارها أبا المنجّى عبد الله بن علي بن منجّى القرمطي وظالم بن مرهوب العقيلي، ونزل خارج القاهرة بعين شمس لعشر بقين من صفر سنة إحدى وستّين، ومعه خمسة عشر ألف جمل وبغل تحمل صناديق الأموال وأواني الذهب والفضّة، سوى التي تحمل الخيم والمضارب والبنود وغير ذلك من الأثقال. وقد استعدّ جوهر القائد لحربه، فالتحم القتال يوم الجمعة أوّل ربيع الأوّل [سنة ٣٦١] على باب القاهرة، وغدوا يوم الأحد للقتال على باب الخندق، فكانت وقائع شديدة قتل فيها من الفريقين عدد كبير، وانهزم الحسن ونهب سواده ببركة الحاجّ، وأخذت صناديقه وكتبه. ومضى في الليل على طريق القلزم، ونهب بنو عقيل وبنو طيّى كثيرا من سواده، وهو مشغول بالقتال، فسار إلى الأحساء.
ثمّ عاد من الأحساء ونزل الرملة في سابع رمضان، وطرح مراكب في البحر وملأها بالمقاتلة، وأكثر من جمع العربان معه ليسير إلى القاهرة.
فقدم المعزّ لدين الله أبو تميم معدّ من بلاد الغرب، ونزل بالقاهرة في رمضان سنة اثنتين وستّين، فكتب إلى الحسن بن أحمد كتابا عظيما، فكتب جوابه بعد البسملة: وصل إلينا كتابك الذي كثر تفصيله وقلّ تحصيله، ونحن سائرون إثره، والسلام.
فلمّا كان شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وستّين كثر انتشار القرامطة في أعمال الشام، وكثر الإرجاف بهم في القاهرة ومصر، وبلغت مقدّمتهم أرياف مصر وأطراف المحلّة لعشر بقين من جمادى الآخرة، ووصلت منهم سريّة إلى أطراف الحوف أوّل يوم من رجب.