للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واحد مزارا لحجّ وعبادة. والله لو أمرني أن ألعن قوما على غير الملّة لما ارتضيت أن أكون لعّانا! [٤٥٢ ب] والله إنّ من عقوق (١) جدّنا علي بن أبي طالب وصفه بالعجز».

فقام أبو الفتوح بهذا وخطب به على رءوس العلويّة، فقام إليه رجل منهم وقال: أيّها الأمير، هذا مقال من يجب عليه أن لا يرجع عمّا قاله.

قال: صدقت.

وشرع في مباينة الحاكم، ثمّ قدم عليه الوزير أبو القاسم الحسين بن علي ابن المغربي (٢) برسالة مفرّج بن دغفل ابن الجرّاح الطائيّ وابنه حسّان بن مفرّج يدعوانه للإمامة ومباينة الحاكم، ووعداه أن يقوما له بالأمر، وأطمعه أبو القاسم في ذلك وهوّن الخطب فيه. فانقاد إليه وجمع بني الحسن وخاطبهم فيما أشار به أبو القاسم، فوافقوه وبايعوا أبا الفتوح ولقّبوه بالراشد بالله. فصعد منبر مكّة وخطب لنفسه. ثمّ نزل وأخذ يستعدّ للمسير.

فاتّفق موت بعض أرباب اليسار بجدّة، فأشار عليه أبو القاسم بأخذ تركته فاستولى عليها بأجمعها وكانت عظيمة. وأخذ أيضا كثيرا من المحاريب الذهب والفضّة المنصوبة على الكعبة، وضربها دنانير ودراهم، وعليها لقبه، وفرّقها فيمن اجتمع إليه، وبعث بأبي القاسم إلى بطون سليم وعوف بن عامر وغيرهم من بطون العرب يدعوهم إلى طاعته وأخذ البيعة عليهم بخلافته، فاستجابوا لطاعته. فلمّا استوسق له الأمر، سار من مكّة في سنة إحدى وأربعمائة في جمع موفور حتى قدم الرملة من أرض فلسطين حيث منازل بني الجرّاح.

فخرج مفرّج وبنوه حسّان ومحمود وعليّ بحماتهم

إلى لقائه، وقبّلوا له الأرض وسلّموا عليه بالخلافة وخاطبوه بإمرة المؤمنين، وأنزلوه بدار الإمارة من مدينة رملة لدّ. فأمر بالنداء [٤٥٣ أ] في الناس بأمان الخائفين، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر.

ثمّ ركب يوم الجمعة، ومفرّج وأولاده وسائر أمراء طيّئ مشاة في ركابه وبين يديه حتى دخل الجامع، وصعد المنبر وخطب فحمد الله وأثنى عليه وقرأ بعد البسملة: طسم* تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ* نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ ... إلى قوله ... يَحْذَرُونَ* (القصص:

١ - ٦). ثمّ أتمّ الخطبة ونزل فصلّى بالناس الجمعة، وعاد إلى دار الإمارة.

فبلغ ذلك الحاكم، فما زال ببني الجرّاح حتّى استمالهم إليه ودفع إلى كلّ من حسّان وأخويه خمسين ألف دينار عينا، سوى التحف والخطايا (٣). فتخلّوا عن أبي الفتوح وتقاعدوا عنه حتّى انحلّ أمره وعاد إلى مكّة في سنة ثلاث وأربعمائة، وأقام الدعوة للحاكم وضرب السكّة باسمه وأقام بها حتى مات سنة ثلاثين وأربعمائة، فقام بإمارة مكّة بعده ابنه شكر (٤). وكانت إمارته ستّا وأربعين سنة.

ومن شعره [المجتثّ]:

أهوى الكؤوس فمنها ... إلى السرور أسير [٣٥٧ ب]

عجبت منها شموسا ... حفّت بهنّ بدور

عجبت منها خدودا ... لاحت عليها ثغور


(١) في المخطوط: حقوق.
(٢) تأتي ترجمة الوزير ابن المغربيّ برقم ١٤٢٦، وفيها أنّ انتقاض الأمير الحسنيّ كان بتحريض منه.
(٣) الخطائيّ حسب دوزي نوع من أقشمة الحرير المستوردة من الصين، وكاطاي من أسماء الصين قديما.
(٤) في عمدة الطالب ١٣٤، واسمه محمد ويلقّب تاج المعالي.

<<  <  ج: ص:  >  >>