للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عوده عنها. فلم يشعر في رجوعه إلّا بسيل عظيم جاءه بغتة، فهلك فيه من الكراع والخيل والرجّالة شيء كثير، ونجا بنفسه وبمن معه إلى دمشق (١).

فملك ثمال معرّة النعمان وقتل جعفر بن كلّيد والي حمص (٢)، فأغرى الوزير أبو البركات (٣) الخليفة المستنصر بالله بناصر الدولة، وأنّه أساء التدبير في عوده عن حلب. وما زال به حتّى ولّى دمشق القائد بهاء الدولة طارق الخادم الصقلبيّ، وتقدّم إليه بالإسراع في المسير إلى دمشق جريدة (٤)، والقبض على ناصر الدولة.

فقدم دمشق بغتة في يوم الجمعة أوّل يوم من شهر رجب، ودخل القصر من حيث لم يشعر به أحد، وجلس في دست ناصر الدولة، واستدعاه إليه. فلمّا جاءه قبض عليه وحمله إلى صور، ثمّ نقله إلى الرملة، وصودر، ثمّ نقل إلى القاهرة واعتقل بها إلى أن ورد الخبر بكائنة أمير الأمراء رفق [الخادم] (٥) على حلب في ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، [ف] أطلق من الاعتقال.

وأعيد إلى ولاية دمشق في يوم الاثنين النصف من رجب سنة خمسين وأربعمائة، فلم يزل عليها إلى أن خرج عسكر من مصر في سنة اثنتين وخمسين وصار إلى دمشق. وكتب لناصر الدولة أن يكون على العسكر ويتوجّه إلى قتال محمود بن

نصر بن صالح بن مرداس، وقد تغلّب على حلب وحصر الأمير مكين الدولة أبا علي الحسين بن علي بن ملهم بن دينار العقيليّ نائب المستنصر على حلب بالقلعة.

فسار إليها فس سادس ربيع الأوّل حتّى وصل سرمين (٦)، ففرّت بنو كلاب ومحمود بن نصر إلى الشرق ليلة الاثنين سابع رجب منها، فتبعهم ناصر الدولة، وهو في خمسة عشر ألف فارس، ومحمود في أقلّ من ألفين، حتّى نزلوا على الفنيدق، الذي عرف بعد ذلك ب «تلّ السلطان».

والتقى الفريقان هناك يوم الأربعاء سلخ رجب المذكور، فانهزم من مع ناصر الدولة وجرح وجاءته ضربة في يده فشلّت، وأخذ أسيرا، فاشتراهمحمود بن نصر بأربعين ألف دينار.

وتسلّم حلب أسد الدولة أبو ذؤابة عطيّة بن صالح بن مرداس، يوم الخميس أوّل شعبان. فأتاه محمود بن نصر فانهزم عطيّة منه آخر النهار، وتسلّم محمود مدينة حلب يوم الجمعة [٤٥٦ أ] ثاني شعبان. وملك حلب ثلاثة في ثلاثة أيّام، وهذا من غريب الاتّفاق.

ثمّ تسلّم محمود القلعة في عاشر شعبان، فلمّا قدم معزّ الدولة ثمال بن صالح بن مرداس من مصر اصطنع من في باب ناصر الدولة وخلّى سبيله. فعاد إلى مصر [و] في ذلك يقول عليّ بن عبد العزيز المعروف بالفكيك الشاعر، وكان يمدح ناصر الدولة فلم يعطه شيئا [الكامل]:

[ولئن غلطت بأن مدحتك، طالبا ... جدواك، مع علمي بأنّك باخل

فالدولة الزهراء قد غلطت بأن ... نعتتك ناصرها، وأنت الخاذل


(١) خبر الهزيمة في الاتّعاظ ٢/ ٢٠١.
(٢) قتل ابن كلّيد لستّ بقين من شعبان سنة ٤٤٠، (اتّعاظ ٢/ ٢٠٢).
(٣) هو الوزير الجرجرائيّ الحسين بن محمد، وستأتي ترجمته رقم ١٢٥٩.
(٤) جريدة أي بدون أثقال ولا خدم طلبا للسرعة (دوزي)، وأيضا فيلقا من الخيل منقطعا عن العسكر.
(٥) واقعة رفق الخادم في الاتّعاظ ٢/ ٢٠٩.
(٦) سرمين: على مرحلة من حلب.

<<  <  ج: ص:  >  >>