للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والسعديّة خدّام الستر وقوف، والسيّاف قائم.

وقال طاهر: يا حسن، يقول لك مولانا: أين أموالي؟

فلم يجبه ولم يرفع طرفه إليه، فقال له: لك أخاطب يا حسن بن عليّ بن عبد الرحمن. يقول لك أمير المؤمنين: أين أموالي؟

فلم يجبه ورفع طرفه ونظر إلى طاهر وإلى الجماعة القيام، وقال لطاهر: يا كلب، تجيء وهذا معك- وأشار إلى حيدرة السيّاف- وتسألني بعد ذلك؟ ولكن قل له: يا مولانا، قبض عليّ [٣٦٧ ب] وأنا آمن على نفسي. فإن كان عندي مال، فقد وجدته في داري. وكتب داعيك وثقتك المؤيّد (١) في الدين في القمطرة الفلانيّة تشهد بذكر مالك أين هو.

فأشار طاهر إلى الذين معه فأخذوا اليازوريّ وضربت عنقه في الحال. وسار لوقته عائدا، ومعه رأس اليازوريّ، إلى القاهرة. فبلغ ذلك المستنصر فاغتمّ لقتله، وحقد على البابليّ حتى صرفه. وكان قتله في ليلة [ ... ] الثاني والعشرين من صفر سنة خمسين وأربعمائة. وألقيت جثّته على مزبلة إلى أن ورد أمر المستنصر بعد ثلاثة أيّام بتكفينه وتجهيزه والصلاة عليه. فغسّل في مسجد وحنّط بحنوط كثير وكافور، وحمل بين العشاءين ومعه المشاعل ودفن. ثمّ حضر صقلبيّ بعد ذلك ومعه الرأس فدفنت معه في القبر.

ولم يتمكّن أحد في الدولة المصريّة بعد الوزير يعقوب بن كلّس تمكّن اليازوريّ. وحكي أنّه حجّ في صباه، فلمّا زار قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم نام في الحجرة النبويّة، فسقط عليه شيء من الخلوق الملطّخ بحائط الحجرة. فأتاه بعض خدّام الحجرة وأيقظه وقال له: أيّها الرجل، إنّك ستلي ولاية عظيمة، وقد بشّرتك، ولي منك الحباء والكرامة.

فصار إلى ما صار حتّى إنّه سأل المستنصر بالله أن يكتب اسمه على سكّة الذهب والفضّة، فأذن له في ذلك. وطبعت باسمه نحو شهر ثمّ بطلت.

وأمر المستنصر إلّا يسطّر هذا في السير. وكانت صفة سكّته [السريع]:

ضربت في دولة آل الهدى ... من آل طه وآل ياسين

مستنصر بالله جلّ اسمه ... وعبده الناصر للدين

في سنة كذا.

ومن طريف التخلّصات في المكاتبة ما وقع له، وهو أنّ العالي بالله إدريس بن المعتلي بالله يحيى بن الناصر علي بن حمّود بن ميمون بن حمّود بن علي بن عبيد الله بن عمر بن إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب صاحب الأندلس كتب إلى المستنصر بالله من مدينة مالقة مكاتبة فيها: «من أمير المؤمنين العالي بالله إلى أمير المؤمنين المستنصر بالله». فعيب عليه بمصر قلّة تصوّره ومعرفته بأنّه لا يجوز أن يكون أمير المؤمنين في زمان واحد إلّا واحدا. ثمّ ألجأت الضرورة إلى مكاتبته بنحو ما كتب، وكان اليازوريّ إذ ذاك في الوزارة وتدبير أمور مصر. فقال: أنا أخلّص لكم هذه القضيّة وأعلّقها بمعنى دقيق لا يبين للمكاتب


(١) المؤيّد في الدين: أبو نصر هبة الله بن موسى. انظر الإشارة ٤٤ ومقدّمة ديوانه نشر محمد كامل حسين، القاهرة ١٩٤٩ ص ١٨، والأموال المشار إليها هي التي سيّرها اليازوريّ إلى البساسيريّ مع المؤيّد، وقد مرّ ذكرها.
وفي ابن ميسّر (ماسي) ٨ أنّه اتّهم بتهريب الأموال إلى بيت المقدس مع ولده، فلعلّ هذا التهريب هو المقصود هنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>