للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وصار له ديوان مفرد، فدعا لنفسه، وكاتب الأمراء والأجناد، وعوّل على اعتقال أبيه، وأطمع الناس فيما يوصلهم إليه إذا تمّ أمره. فامتدّت إليه الأعناق، وركب للحرب. فواقعه أخوه حيدرة.

وصار العسكر فرقتين: فرقة مع أبي تراب حيدرة، وفرقة مع حسن، وهي الريحانيّة والجيوشيّة (١).

وجرت بينهما وقعة عظيمة في يوم الأربعاء خامس عشر رمضان سنة ثمان وعشرين وخمسمائة بين القصرين، قتل فيها من الفريقين نحو عشرة آلاف رجل، وفرّ حيدرة إلى أبيه.

فبعث الحافظ إلى حسن ليسكّن الفتنة، فلم يدخل إليه وطالبه بحيدرة، وضايق القصر وحاصره حصرا شديدا، وصاح الجند: يا حسن، يا منصور! يا للحسنيّة! . وكانت هذه أوّل مصيبة نزلت بالدولة، لقتل عدّة لا يسمح الزمان بتربية مثلهم. واستحرّ القتل في الريحانيّة بحيث لم يسلم منهم إلّا من ألقى بنفسه في النيل من ناحية المقس.

وصار إلى حسن أوباش العسكر وذعّار (٢) الناس، وفرّق فيهم الزرد وسمّاهم «صبيان الزرد»، وجعلهم خاصّته، فكانوا لا يفارقو [ن] هـ، إن ركب ساروا حوله، وإن نزل لازموه.

فلم يجد الحافظ بدّا من مداراته، وولّاه العهد من بعده وكتب بذلك سجلّا قرئ في يوم الخميس لأربع بقين من رمضان، وأركبه بشعار الخلافة ونعته بوليّ عهد أمير المؤمنين. فتمكّن حسن من الدولة وتصرّف فيها ولم يبق للحافظ معه حكم.

وقتل قاضي القضاة سراج الدين أبا الثريّا نجم بن جعفر، وقتل ناظر الدواوين الشريف معتمد الدولة عليّ بن جعفر ابن العسّاف، وقتل زمام المؤمنين وولّى أبا عبد الله محمد بن هبة الله بن ميسّر

[القيسرانيّ] (٣) القضاء، وقتل [٤٦٦ ب] جماعة من الأمراء وأقام غيرهم. فاختفى منه الحافظ وحيدرة، وجدّ في طلبهما، فأخرق بأوباشه ناموس القصر وهتك حرمته. وصار يفيّش (٤) على أبيه وأخيه، وأوباشه مع ذلك تحسّن له كلّ رذيلة.

فبسط يده في أذى الناس، فتغيّرت الخواطر، وعزم من بقي من أمراء الدولة على خلع الحافظ من الخلافة وخلع حسن من ولاية العهد، واجتمعوا بين القصرين وبعثوا إلى الحافظ يعلمونه بما يفعلونه، فاعتذر إليهم، وبعث الأستاذ وفيّ الدولة إسعاف (٥) إلى الصعيد، فجمع من الريحانيّة وغيرهم أمما لا يحصيها إلّا الله ليقاتل بهم الأمير حسن ابن الحافظ. فبلغ ذلك حسن [ا] فبعث إليه جيشا عرمرما، وخرج. فلمّا التقى الجمعان هبّتريح سوداء في وجوه أصحاب إسعاف، فركبهم عسكر حسن فلم يفلت منهم [إلّا] القليل وغرق أكثرهم في النيل، وقتلوا، وأخذ إسعاف وأدخل به إلى القاهرة على جمل، وفوق رأسه طرطور أحمر إلى بين القصرين، فرشق بالنشّاب حتّى مات.

وألقي من القصر الغربي أيضا بأستاذ آخر فقتلوه، وقتل الأمير شرف الأمراء.

فلما اشتدّ الأمر بالحافظ، تحيّل على حسن بأن ألقى إليه من القصر رقعة فيها: يا ولدي، أنت على كلّ حال ولدي، ولو عمل كلّ منّا لصاحبه ما يكره الآخر، ما أراد أن يصيبه مكروه، ولا يحملني قلبي. وقد انتهى الأمر إلى أنّ أمراء الدولة- وسمّاهم- وقد شددت وطأتك عليهم وخافوك، قد عوّلوا على الفتك بك (٦)، فخذ حذرك يا ولدي!


(١) الريحانيّة مع الحافظ والجيوشيّة مع حسن.
(٢) الذاعر: الخبيث أيضا.
(٣) زيادة من الاتّعاظ ٣/ ١١٩.
(٤) يفيّش: يتكبّر.
(٥) في الاتّعاظ: إسحاق، أحد الأستاذين المحنّكين.
(٦) الكلام مضطرب هنا وفي الاتّعاظ ٣/ ١٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>