للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

السجّادة، وهذا الذي معه من أكابر العلماء.

فقال: بارك الله فيهما، والله ما فرش لي السجّادة إلّا ليجلس على سرير الملك، وصاحبه قاضي القضاة.

قال كاتبه (١): وكذا وقع، جلس لاجين هذا على سرير الملك وتلقّب بالسلطان الملك المنصور، وولي حسام الدين هذا قضاء القضاة، وهو أبو الفضائل الحسن بن أحمد الرازيّ الحنفي، كما قد ذكر في ترجمتيهما من هذا الكتاب (٢).

قال الشهاب محمود: وكان ابن هود ذا علم جمّ، ولكن كانت الغيبة غالبة عليه. ولقد كان يبقى الأيّام والليالي لا يأكل طعاما ولا يشرب شرابا. وكان كثيرا ما يقعد في مقابر كيسان مستديرا للمدينة متوجّها إلى القبلة قبالة البرج، ويبقى الأيّام الكثيرة في الحرّ والبرد لا يتغيّر من مكانه. ولقد رأيته هنا مرّة في زمان صيف شديد وقد لفحته هواجر الحرّ وأثّر فيه السموم. وكانت بيني وبينه صحبة، فوقفت أمامه وأنشدته قول الداني [الكامل]:

أنت المنيّة والمنى، فيك استوى ... ظلّ الغمامة والهجير المحرق

فرفع رأسه إليّ وقال: ما أعرفك.

فعرّفته بنفسي، فقال: ما أعرفك.

فانصرفت وأنا أرثي له ممّا يقاسي.

وقال البرزالي: سألته عن مولده، فقال: في ثالث عشر شوّال سنة ثلاث وثلاثين وستّمائة بمرسية.

وتوفّي عشيّة الاثنين السادس والعشرين من شعبان سنة تسع وتسعين وستّمائة بدمشق. ودفن بكرة الثلاثاء بسفح قاسيون. [٣٧٢ أ] وتقدّم في الصلاة عليه القاضي بدر الدين محمد ابن جماعة.

ومن شعره [الطويل]:

أورّي بذكر الجزع عنه وبانه ... ولا البان مطلوبي ولا قصدي الرمل

وأذكر سعدى في حديثي مغالطا ... بليلى، ولا ليلى مرادي ولا جمل

ولم أر في العشّاق مثلي لأنّني ... تلذّ لي البلوى ويحلو لي العذل

سوى معشر حلّوا النظام ومزّقوا ال ... ثياب ولا فرض عليهم ولا نفل

مجانين إلّا أنّ ذلّ جنونهم ... عزيز، على أعتابهم يسجد العقل

وقوله [الطويل]:

سلام عليكم صدّق الخبر الخبر ... فلم يبق «قال القسّ» أو «حدّث الحبر»

وهي قصيدة عسرة المسلك متوعّرة الجوانب يحار في ظلمائها ويخبط في بهمائها، منها:

وأشرق نور الحقّ من كلّ وجهة ... على كلّ وجه فاستوى السرّ والجهر


(١) أي المقريزيّ المؤلّف. وهي عبارته حين ينتقل من النقل إلى التعليق.
(٢) لاجين المنصوريّ تسلطن بمصر من سنة ٦٩٦ إلى ٦٩٧، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي ج ٨ ص ٨٥ - ١١٤، وترجمة لاجين مفقودة من المقفّى.
والقاضي حسام الدين هو الحسن بن أحمد بن أنوشروان الرازي ثمّ الرومي، قاضي القضاة الحنفي (ت ٦٩٩)، انظر الوافي ١١/ ٣٩٧ (٥٧١)، وفي سنة وفاته اختلاف. وقال المقريزي في السلوك ١/ ٨٨٨ إنّه عدم في وقعة حمص مع التتار. وهي عبارة تعني أنّه فقد دون تيقّن من موته. وفي الوافي أنّه يكون قد أسر وحمل إلى جزيرة قبرص. وترجمته في المقفّى مرّت برقم ١١٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>