أفرج عنه بعد موت ملك شاه. فورد بغداد على أسوإ حال. فاجتمع عليه التجّار وادّعوا عليه أموالا أخذها منهم فوكّل به من دار الخلافة، فتوصّل القائد علي بن كتاش في إطلاقه وأدّى عنه من ماله ثلاثمائة وخمسين دينارا. ثمّ دبّر له في الخروج من بغداد فتمّ له ذلك، ولم يكاف [ئ] هـ عنه، وذهب ما أدّى عنه ضياعا. ومضى إلى مصر فلم يلتفت إليه، وأقام بها ومعه أهله وأولاده سنتين.
فكتب القائم بفامية من جهة الملك رضوان بن تتش إلى المستنصر، وكان يميل إلى مذهب المصريّين، يستدعي من يتسلّم أفامية منه، وكانت على غاية الحصانة. فواصل ابن ملاعب السعي في ذلك، ووعد أنّه يحارب الفرنج رجاء المثوبة من الله تعالى. وكانت البلاد يومئذ أكثرها معهم.
فأجيب بأنّه رجل كافر النعمة مخفر الأمانة لا يملك عنان فرسه فيرى لأحد عليه طاعة. فقال:
أنا أعطي أولادي رهينة وأنصرف على السمع والطاعة لكم.
فوقع الاتّفاق عليه وقلّد أفامية في سنة تسع وثمانين وأربعمائة. فلمّا وصل وتمكّن منها خلع الطاعة. فكتبوا إليه يعرّفو [ن] هـ حال رهينته وما يحلّ بولده عند معصيته. فأجاب بأنّي متمسّك بمكاني مدافع عن تسليمه وإنّني أؤثر أن تطبخوا أولادي وتنفذوا إليّ بعض أعضائهم حتى آكله.
فيئسوا منه وأعرضوا عنه، وأقام بأفامية على حالته من التخليط، ومال إليه المفسدون، وعظم قطع الطريق من جهته. فاتّفق أن استولى الفرنج على سرمين فتفرّق من كان بها، وكانوا غلاة في التشيّع، وصار أكثرهم إلى رضوان متملّك حلب، وفيهم شجاعة وقوّة، والغالب عليهم حمل السلاح. ومضى قاضيهم أبو الفتح السرمينيّ إلى ابن ملاعب في فريق منهم وأقام عنده وحظي لديه وتقدّم تقدّما زائدا. فصار يطلعه على سرّه ويشاوره في أموره، والقاضي يدبّر عليه ويكاتب أبا طاهر الصائغ بحلب، وهو من خواصّ الملك رضوان ومن وجوه الباطنيّة ودعاتهم، ووافقه على إعمال الحيلة للفتك بابن ملاعب، وأن يستولي على أفامية ويسلّمها إلى الملك رضوان ليستخدمه في تدبيرها ويردّ إليه النظر في أمورها. فاتّفق أنّ أولاد ابن ملاعب تسلّلوا من مصر خفية ووصلوا إليه.
فأخبروه بأنّ القاضي أبا الفتح السرميني المقيم عنده قد اشتهر عندهم أنّه يعمل عليه ويروم الفتك به، وأشاروا بإبعاده. فاستدعاه ابن ملاعبفحضر وقد أيقن بالفتك به، ومعه مصحف. فلمّا جلس اعترف بما أولاه ابن ملاعب من الجميل، وأنكر ما قيل في حقّه وحلف بالمصحف على صحّة ما يعتقده من جميل ولائه. وسأله أن يطلقه عريانا إن كان قد داخله فيه شكّ. فقبل قوله وانخدع له وتركه على حالته.
فأخذ القاضي من تلك الساعة في الجدّ، وكاتب الصائغ بأن يوافق الملك رضوان على تسيير ثلاثمائة رجل من أهل سرمين وصحبتهم شيء من خيل الفرنج وبغالهم وسلاح من أسلحتهم. وعرّفه مكيدة يفهّمها لهم ليقولوها عند حضورهم. ففعل ذلك الصائغ، وحضر أولائك الخيّالة وقالوا: كنّا نخدم رضوان وفارقناه على حالة غير مرضيّة من قلّة إنصافه، وتوجّهنا نحو الفرنج فأخذنا منها براءة للأمير إن رضينا له خدما- وقدّموا له ما كان معهم من الخيل الفرنجيّة والبغال والسلاح. فتمّ ذلك عليه وظنّه صحيحا، واستخدمهم وقرّبهم و [أ] سكنهم ربض القلعة.
فاجتمعوا مع القاضي أبي الفتح على التدبير، فواعدهم. فلمّا كانت تلك الليلة طاف العسس كجاري العادة ومضوا وناموا. [ف] ثار من