للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الكرديّ- يعنون أبا الطيّب خشترين- وهو يأتي في كلّ واقعة بأشعار في غاية الجودة وما عنده مادّة.

فقال راجح الحلّيّ: أنا أعمل لكم دعوة وندعوه ونمتحنه- فعمل دعوة ودعاه. فلمّا حضرنا وأكلنا وشربنا قال الحلّيّ: يا أصحابنا، أنتم شعراء المصر، وأشتهي أن تعملوا في هذا المملوك الذي لي- وكان على جفنه جرح قد حشي [٤٣٥ أ] كحلا وبقي أخضر.

فقال خشترين: ما أنا صاحب بديهة.

فقالوا له: لا بدّ أن تعمل.

فأخذ كلّ واحد يفكّر. فسبق الجماعة وقال:

قد تهيّأ لي شيء فإن أذنتم في إيراده؟

قالوا: هات!

فأنشد [الطويل]:

ألا أبلغا عنّي الغزال الذي غدا ... يصيد أسود الغيل من آل عامر

أما زلت في أكبادنا نون حاجر ... تصول بسيف من خلال المحاجر؟ (١)

إلى أن غدا ذاك الحسام وقد علا ... على جفنه آثار بعض المرائر

فأقرّ الجماعة، ولم يعمل واحد منهم شيئا جيّدا.

وله من قصيدة [الكامل]:

ضحكت ثغور البيض لمّا أن بدت ... حدق السوابغ بالنجيع القاني

أبدا تريك من الأسنّة ألسنا ... تتلو عليك مقاتل الفرسان

وتكلّمت في وجه كلّ متوّج ... خرس الرماح بألسن الخرسان (٢)

وقال [رجز]:

كذلك البرق اليماني إذ برق ... سحب دموع فيضها من الحرق

فمن لقلب كلّما لاح له ... خفوق برق دون تيماء خفق

وقال [متقارب]:

سقى ليلنا بالغوير وقد ... [ ... ] الكأس فينا قلق (٣)

وفي أفق مجلسنا أنجم ... بأيدي أهلّة تحت الغسق

تغيب البدور بها في الشموس ... وتطلع في الوجنات الشفق

وقال وقد حمل إليه طبق فيه أقداح في مجلس الشراب، وكان الحامل يلقّب شمس واسمه أبو بكر [وافر]:

أبا بكر متى حملت شموس ... على رغم البدور لنا الثريّا

فلا شلّت أناملك اللواتي ... حملت بها إلى نحري الحميّا

ولمّا سمع الشعراء بإربل شعره أنكروا أن يكون له لجودته وعرّضوا له بذلك، وطلبوا منه أن يعمل أبياتا على وزن أبيات أوّلها [كامل]:

هل من حناه إليك طول حنينه ... وجنى هواك عليه طول جنونه

وكان قد امتحن بهذا الوزن والتزام التجنيس جماعة قبل خشترين، فقال:


(١) النون: السيف، وسيف مخصوص، ولم نفهم: نون الحاجر في هذا البيت ولا الحاجر فيما يأتي من المختارات.
(٢) في المخطوط: بالسنة.
(٣) كلمة ملتبسة.

<<  <  ج: ص:  >  >>