للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بكتاش الفخري (١) أمير سلاح ومن معه من الأمراء والعسكر المجرّدين إلى سيس (٢)، بمدينة بلبيس، ففرح الأمراء بذلك وكتبوا في السرّ إليه وإلى من معه بما وقع من قتل السلطان وبما عزموا عليه من إحضار الملك الناصر من الكرك وبمخالفة كرجي وطغجي. وانقسم أهل الدولة قسمين: الأمراء ورأيهم معقود (٣) بما يشير به الأمير بكتاش إذا حضر. وأمّا طغجي وكرجي وجاورجي فإنّ المماليك الأشرفيّة معهم على سلطنة طغجي ونيابة كرجي، وأنّهم لا ينزلون من قلعة الجبل إلى لقاء بكتاش ومن معه، وإنّما يقيمون بالقلعة حتى يحضر بمن معه إليهم. ومن رأي الأمراء النزول بأجمعهم إلى لقاء العسكر.

فلمّا أصبحوا يوم الأحد نزل الأمير بكتاش بركة الحاجّ وشرع الأمراء في الحركة إلى لقائه. فامتنع كرجي من أن ينزل إليهم أحد، وإنّما يعبر كلّ أمير وكلّ جنديّ إلى بيته، ويحضر الجميع من الغد إلى الخدمة (٤) بالقلعة فيلبس طغجي خلعة السلطنة ويجلس على تخت الملك ويتصرّف في المملكة على ما يراه، وانفضّوا على ذلك. فعلم الأمراء أنّهم ما لم ينزلوا إلى لقاء الأمير بكتاش فاتهم ما دبّروه. فلمّا اجتمعوا بالخدمة من القلعة بعد العصر أخذوا مع طغجي وكرجي في تحسين النزول للّقاء، فإنّ الأمير بكتاش قديم الهجرة وأتابك العسكر وقد أثّر في سبيل الله آثارا جميلة وملك من الكفّار إحدى عشرة قلعة وله [وهو]

غائب بالعسكر سنة ونصف، وإن لم يتلقّهم (١*) الأمراء صعب عليهم تأخّرهم عن اللقاء، ولو كان السلطان حيّا لخرج إلى لقائهم. وطغجي وكرجي يقولان: لا ننزل، وإنّما أنتم انزلوا [٩ ب] إن شئتم.

فلمّا طال تحاورهم استحيى طغجي من الأمراء وقال لكرجي: الصواب فيما أشار به الأمراء، والرأي أن أركب أنا معهم في المماليك السلطانيّة حتى نلقى الأمير بكتاش. وتقيم أنت وطائفة بالقلعة.

فأذعن لذلك. وعرض طغجي وكرجي المماليك، وعيّنا أربعمائة مملوك تركب مع طغجي وأخرجت لهم الخيول من الإسطبل السلطانيّ، وتركا بقيّة المماليك بالقلعة مع كرجي. وبات الجميع على هذا. وأصبحوا يوم الاثنين رابع عشره تحت القلعة حتى ركب طغجي في موكب جليل وسار ومعه الأمراء، وتقدّموا الحلقة والأجناد، وقد خرج الناس من القاهرة ومصر لرؤية العسكر. فلم يزل طغجي سائرا إلى أن لقي الأمير بكتاش فتعانقا وهما على فرسيهما، وقبّل طغجي يده، وتواكبا سائرين إلى قبّة النصر.

فسار الأمير كرت الحاجب في وسط الموكب وقال لبكتاش: يا خوند، الأمير يطلع القلعة أو يمضي إلى داره؟

فقال: «المرسوم مرسوم السلطان»، كأنّه لم يعرف أنّه قتل.

فقال كرت: يا خوند، وأين السلطان؟ السلطان تعيش وتبقى! قد قتلوه!

فامتعض وقال: من قتله؟

قال: «هذا»! وأشار لطغجي. فقام بكتاش في


(١) بكتاش (ت ٧٠٦). له ترجمة في المقفّى رقم ٩٣٣ - الوافي ١/ ١٨٨ (٤٦٧٤).
(٢) سيس أو سيسيّة: بين أنطاكية وطرسوس على عين زربة.
(٣) في المخطوط: ورأيهم معروف بما ...
(٤) الحضور إلى الخدمة: المثول أمام السلطان كلّ صباح لتسلّم الوظيفة وتلقّي الأوامر.
(١*) في المخطوط: لم يتلقّاهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>