للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في خيل كثيفة تحتفظ به، فإذا وافى إلى ما قبله أنفذه إليه مع من يقوم بحفظه وحراسته.

فأتي إبراهيم وهو في مسجد القرية فأخذ ولفّ رأسه وحمل إلى دمشق فأنفذه الوليد بن معاوية إلى مروان. وكان معه عدّة من أهله قد شيّعوه، فيهم عبد الله بن عليّ، وعيسى بن علي، وعيسى بن موسى، فانصرفوا من حرّان.

ووبّخ مروان إبراهيم حني أدخل إليه فاشتدّ لسان إبراهيم عليه فيما [٦٨ أ] خاطبه به. وقال له مروان: أيرجو مثلك أن ينال الخلافة؟

فقال: رجوتها وقلّدتها، وأنت ابن طريد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولعينه، ولا أرجوها، وأنا ابن عمّه ووليّه؟ ولقد علمنا أنّ الذي يذكر من بغضك بني هاشم ومن شرفوا حقّ.

فأمر به إلى الحبس فحبس بحرّان في سجنها، وكان فيه عبد الله بن عمر بن عبد العزيز. ثم بعث مروان في بعض الليالي حاجبه صقلاب، ومعه عشرون من مواليه، خزر وصقالبة وروم، إلى السجن، ومعهم صاحب السجن ففتح لهم فدخلوا ثم خرجوا، فأصبح إبراهيم وعبد الله بن عمر بنعبد العزيز ميّتين. فقيل: ديست بطونهما. ويقال: عمّا. ويقال:

سمّا. ويقال: عصر ما تحت سراويليهما حتى ماتا. وقال الهيثم بن عديّ (١): عمّ إبراهيم الإمام في جراب نورة (٢) وعمّ الآخر بمرفقة فيها ريش.

وكان مهلهل مولاه يقول: كنت أخدمه وهو محبوس بحرّان وأشتري حوائجه، وكان شراحيل بن معاوية بن هشام بن عبد الملك

محبوسا في حجرة غير حجرة إبراهيم التي كان محبوسا بها، وكان صديقا لإبراهيم فكانا يتلاطفان ويتهاديان في محبسهما. فأتي إبراهيم بلبن مسموم- أو غير لبن- وقيل له: بعث إليك بهذا أخوك شراحيل- ولم يكن شراحيل بعث به، فشربه فتوفّي، وأنا الذي صلّيت عليه.

وقيل إنّه أخرج فوضع على باب السجن فأخذه رجل من بني سهم فكفّنه وصلّى عليه ودفنه.

ويقال: كان أبو العبّاس عبد الله بن محمد [بن عليّ] أشبه بأخيه إبراهيم الإمام. فلمّا جاء الرسول لحمل إبراهيم وجد إبراهيم متغيّبا فأخذ أبا العبّاس. فلمّا علم إبراهيم بأخذه قال: «ما من الموت مفرّ ولا لأمر الله مدفع». فخرج فقال للرسول: «أنا بغيتك فخلّ عن أخي». فحمله.

وكان لإبراهيم يوم مات تسع وأربعون سنة.

وقيل: أربع وثلاثون سنة.

وهرب أبو العبّاس بعد مقتل إبراهيم إلى الكوفة ومعه أهل بيته. فأخفاهم أبو سلمة الداعية في سرداب في دار بني أود حتى قدم المسوّدة. فكان يقال: ما رأى الناس أبعد همّا ولا أكبر نفسا من قوم خرجوا على تلك الحال يطلبون الخلافة.

وقال الهيثم بن عديّ: لمّا وقعت العصبيّة بخراسان، وتحرّك أمر الدعاة، كتب إبراهيم الإمام إلى أبي مسلم [الرجز]:

دونك أمرا قد بدت أشراطه ... لم يبق إلّا السيف واختراطه

إنّ السبيل واضح صراطه

وكان يدعو في [٦٨ ب] حبسه: اللهم ربّ السماوات السبع والأرضين السبع والبحار السبعة، وربّ العرش العظيم، والآيات والذكر الحكيم، صلّ على نبيّك ونجيّك محمد وعلى آله، وأخلفه


(١) الهيثم بن عديّ الإخباريّ النسّابة (ت ٢٠٧) كان مطعونا فيه. الأعلام، ٩/ ١١٤.
(٢) يضيف المسعودي: مروج ٤/ ٨٥: مسحوقة. والنورة هي الجير. وعمّه: لفّ رأسه في خرقة كالعمامة حتى لا بتنفّس

<<  <  ج: ص:  >  >>