للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقال له أبو جعفر: من يقول هذا؟

قال: يقوله أبو نخيلة.

فعضّ أبو جعفر على أصبعه وقال: أآمن هذا العبد أن تدول لبني هاشم دولة فيولغوا الكلاب دمه؟

فقال له أبو العبّاس: مه يا أخي! فإنّه كان يقال:

من أظهر غضبه ضعف كيده.

ثم أقبل أبو العبّاس على أبي سلمة فقال له:

هذا شعر أحمق في أحمق! كيف يقول لرجل هو في سلطان غيره وتابع له: يا جبل الأرض؟ وجبل الأرض مرسيها وممسكها، فلا يصحّ أن يقال هذا لمن هو في سلطان غيره وتابع له. وأين يقع تعظيمه وتفخيمه من نقص اسمه؟

وانطلق، فقال له أبو جعفر: هلمّ يا أخي نلعب!

فقال أبو العبّاس: هل أولغت الكلاب دم أبي نخيلة؟

قال: لا، ولكنّك أدّبتني فتأدّبت.

وذهبا. فقال أبو سلمة لسليمان: بمثل هذين يطلب الملك ويدرك الثأر!

وما زالا بإبراهيم الإمام حتى عهد إلى أبي العبّاس.

ويقال إنّه وعدهما أن يعهد إليه، ولم يفعل حتى قبض عليه مروان، فأمضى العهد لأبي العبّاس.

ثم إنّ أبا نخيلة وفد على أبي العبّاس عند ما أفضت إليه الخلافة. فلمّا مثل بين يديه استأذنه في [٨٣ أ] الإنشاد. فقال له: من أنت؟

فقال: عبدك وشاعرك أبو نخيلة.

فقال أبو العبّاس: لا قرّب الله للأبعد نوى ولعنه! ألست القائل: أمسلم فاسمع ... الأبيات؟

فقال أبو نخيلة: نعم يا أمير المؤمنين، وأنا الذي أقول [رجز]:

كنّا أناسا نرهب الأملاكا ... ونركب الأعجاز والأوراكا

من كلّ شيء، ما خلا الإشراكا ... وكلّ ما قد قلت في سواك

زور، فقد كفّر هذا ذاكا ... إنّا انتظرنا زمنا أباك

ثم انتظرنا بعده أخاكا ... ثم انتظرناك لها إيّاك

فكنت أنت للرّجاء ذاك (١*)

فوصله وعفا عنه.

ودخل عبد الله بن حسن بن حسن بن عليّ إلى السفّاح، ومجلسه أحفل ما يكون بوجوه قريش وبني هاشم والشيعة وأعيان الناس، ومعه مصحف، فقال: يا أمير المؤمنين، أعطنا حقّنا الذي جعله الله لنا في هذا المصحف!

فأشفق الناس من أن يعجّل السفّاح بشيء إليه، أو يعيى بجوابه فيكون نقصا له وعارا عليه. فأقبل السفّاح عليه غير مغضب ولا مزعج وقال له: إنّ جدّك عليّا، وكان خيرا منّي وأعدل، ولي هذا الأمر فأعطى جدّيك الحسن والحسين، وكانا خيرا منكم، شيئا، وكان الواجب أن أعطيك مثله. فإن فعلت فقد أنصفتك، وإن كنت زدتك، فما هذا جزاء لي منك.

فما ردّ عبد الله جوابا وانصرف، والناس يعجبون من حسن جوابه له.


(١*) الأبيات في المروج، ٤/ ١٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>