للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يكلّفني الأولى جميعا وعصرها ... فويلي من الأولى، وويلي من العصر!

لقد كان في أهلي مساجد جمّة ... ولكنّ هذا الأمر قدر من القدر [٩٧ ب]

ويحبسني عن مجلس أستلذّه ... وأكرم فيه بالسماع وبالخمر

وماذا عليه، أرشد الله أمره ... لو أنّ خطايا العالمين على ظهري؟ (١)

فقال: صدق لعنه الله! دعوه!

وماتت ابنة (٢) للمنصور فرأى أبا دلامة عند قبرها، فقال له: ما أعددت لهذا المضجع؟

قال: التي حفر لها يا أمير المؤمنين.

فقال: ويلك، هلّا قلت كما قال الفرزدق حين سأله الحسن البصري ورآه عند قبر النوار امرأته عن مثل ما سألتك فقال: شهادة أن لا إله إلّا الله مذ ثمانون سنة؟

فقال أبو دلامة: إنّا لا نحبّ المعاد من الكلام!

ودخل عليه أبو دلامة فأنشده [البسيط]:

لو كان يقعد فوق الشمس من كرم ... قوم لقيل: اقعدوا يا آل عبّاس

ثمّ ارتقوا في شعاع الشمس كلّكم ... إلى السماء، فأنتم أكرم الناس

فقال المنصور: لقد غدا بك أمر.

قال: نعم! ولدت لي البارحة ابنة وقد قلت فيها [الوافر]:

وما ولدتك مريم أمّ عيسى ... ولم يكفلك لقمان الحكيم

ولكن قد تضمّك أمّ سوء ... إلى لبّاتها وأب لئيم

فتبسّم المنصور وأمر له بأربعة آلاف درهم.

وأنشده أبو دلامة يوما قوله [البسيط] (١*):

قالت: تبغّ لنا نخلا ومزدرعا ... كما لجيراننا نخل ومزدرع

خادع خليفتنا عن ذاك في لطف ... إنّ الخليفة للسّؤال ينخدع

فقال: يا عبد الملك بن حميد، أقطعه ألف جريب نصفها عامر ونصفها غامر.

فقال: بأبي أنت! وما الغامر؟

قال: الذي لا يناله الماء إلّا بالكلفة والنفقة.

قال أبو دلامة: فإنّي قد أقطعت عبد الملك بن حميد بادية بني أسد وصحراء برتقيا وصحراء أنقف!

فضحك المنصور وأمر أن تجعل له الألف الجريب عامرة كلّها. فقال: جعلني الله يا أمير المؤمنين فداك! ائذن لي في تقبيل رجلك!

فقال: لست أفعل.

فقال: والله أصلحك الله، ما منعت عيالي شيئا أهون عليهم من هذا (٢*)! .

وأشار أبو عبيد الله الكاتب على المهديّ بنزول الرافقة (٣*) وأراد أن يبعده من المنصور. فكتب أبو دلامة [البسيط]:

إنّ الخليفة والمهديّ إن نأيا ... فنحن في حيث لا ماء ولا شجر


(١) الأغاني، ١٠/ ٢٥٩، وفي البيت الأوّل: ألم تعلما أنّ الإمام ...
(٢) في الأغاني ١٠/ ٢٧٣: ابنة عمّه.
المقفى ج ٤* م ٥
(١*) طبقات ابن المعتزّ، ٦٢.
(٢*) النادرة في العقد، ٢/ ١٢٨، وهي مع المهديّ لا المنصور.
(٣*) الرافقة قرب الرّقّة، بناها المنصور سنة ١٥٥ (ياقوت).

<<  <  ج: ص:  >  >>