للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

السنجاريّ بعث إليه الأمير علاء الدين كشتغدي الشمسيّ الأستادار بخلع الوزارة إلى بيته بقلعة الجبل. فامتنع امتناعا شديدا وبكى واستقال، فلم يسمع له وألبسه الخلع في يوم الاثنين ثاني شوّال سنة ثمان وسبعين وستّمائة. فباشر الوزارة مباشرة حسنة من غير ظلم، وأحسن إلى الرعيّة إلى أن صرف عنها في آخر جمادى الآخرة سنة تسع وسبعين بالصاحب برهان الدين السنجاريّ. فأخذ دواته ودخل إلى ديوان الإنشاء وكتب من جملة كتّابه، وتصرّف عن أمر القاضي فتح الدين ابن عبد الظاهر [٥٢ أ] صاحب الديوان. وقال عند ما انفصل من الوزارة: جاءت فما كبرت وراحت فما أثرت.

ولم يزل بمصر إلى أن مات بها في يوم الخميس ثالث عشرين جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين وستّمائة، ودفن بالقرافة.

وكان رئيسا فاضلا معظّما عاقلا حسن الأخلاق، سمع الحديث من أبي محمد ابن رواج، وأبي الفضل ابن الجبّاب (١) وغيرهما. وكتب عنه الشعر.

ومن لطيف الماجريات أنّ تاج الدين ابن الأثير كان هو وابن لقمان هذا صحبة السلطان على تلّ العجول، ومع فخر الدين ابن لقمان مملوك اسمه الطنبا فناداه قال: «يا الطنبا! » قال: «نعم» ولم يأته. فكرّر نداءه وهو يقول: نعم، ولا يأتيه.

وكانت ليلة مظلمة فأخرج رأسه من الخيمة وقال:

تقول نعم، ولا أراك؟ فقال ابن الأثير [البسيط]:

في ليلة من جمادى ذات أندية ... لا يبصر الكلب من ظلمائها الطنبا (٢)

فحسن الاستشهاد بهذا البيت في هذه الواقعة، فإنّه من جملة أبيات في الحماسة لمرّة بن محكان، ويحتاج إلى إظهار اللام في «الطنبا» لينزل عليه الاسم، وهو جائز في الاهتدام (٣).

وخرجت مرّة مسوّدة لابن لقمان من صاحب الديوان على العادة بكتابه إلى ملك الفرنج، من جملة ما فيها من نعوته: معزّ بابا روميّة، بعين مهملة وزاي، من العزّ، وبباءين موحدتين، فإنّ عظيم النصرانيّة بمدينة رومية يقال له «بابا». فكتب الكتاب وكتب «مقر البانا» بقاف بدل العين، وراء بدل الزاي ونون بدل الباء الثانية. فأنكر عليه ذلك ونبّه على الصواب فقال: يا مولاي، هذه أعرفها من زهر الآداب، ومن قلائد العقيان ومن أدب الكاتب، وما أنا ترجمان الإفرنج- فاستحسن منه ذلك.

ومن شعره في غلامه غلمش [الخفيف]:

لو وشى فيه من وشى ... ما تسلّيت غلمشا

أنا قد بحت باسمه ... يفعل الله ما يشا

وقال الكامل]:

كن كيف شئت فإنّني بك مغرم ... راض بما فعل الهوى المتحكّم

ولئن كتمت عن الوشاة صبابتي ... بك فالجوانح بالهوى تتكلّم

أشتاق من أهوى وأعلم أنّني ... أشتاق من هو في الفؤاد مخيّم


- شرح السلطاني ٣/ ٢٥٦).
(١) أبو الفضل ابن الجبّاب: أحمد بن محمد بن عبد العزيز (ت ٦٤٨). أعلام النبلاء ٢٣/ ٢٣٤ (١٥٤).
(٢) البيت لمرّة بن محكان التميميّ؛ انظر شرح التبريزي للحماسة ٤/ ٦٠ - وشرح المرزوقي ٤/ ١٥٦٢ (٦٧٥).
والبيت من شواهد الأشموني رقم ١١٥٠ ص ٦٥٦ (وانظر-
(٣) عرّف ابن رشيق (العمدة ٢/ ٢٨٢) الاهتدام بأنّه «السرقة فيما دون البيت»، والاستشهاد هنا تضمين للبيت كاملا.
وقد نقل المقريزي تعليق الصفدي الذي قال: «ولكنّه يحتاج إلى إظهار اللام لينزل على الاسم» وهو جائز إلخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>