للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال أبو الصلت عبد السلام بن صالح:

حبسني المأمون ليلة. فكنّا نتحدّث حتى ذهب من الليل ما ذهب، وطفئ السراج ونام القيّم الذي كان يصلح السراج. فدعاه فلم يجبه، وكان نائما.

فقلت: يا أمير المؤمنين، أصلحه.

فقال: لا.

فأصلحه هو. ثم انتبه الخادم، فظننت أنّه يعاقبه لأنّه كان يناديه وهو نائم فلا يجيبه. [قال] فتعجّبت منه، فسمعته يقول: ربّما أكون في المتوضّأ، فيشتمو [ن] ني ويفترون عليّ ولا يدرون أنّي أسمع، فأعفو عنهم.

وقال عبد الله بن البوّاب: كان المأمون يحلم، حتى يغيظنا: فجلس في بعض الأوقات يستاك على دجلة من وراء ستره، ونحن قيام بين يديه.

فمرّ ملّاح وهو يقول بأعلى صوته: «أتظنّون أنّ هذا المأمون ينبل في عيني وقد قتل أخاه؟ » فو الله ما زاد على أن تبسّم وقال لنا: ما الحيلة عندكم حتى أنبل في عين هذا الرجل الجليل؟

*** وقال يحيى بن أكثم (١): بتّ ليلة عند المأمون، فانتبهت في جوف الليل وأنا عطشان. فتقلّبت، فقال: يا يحيى، ما شأنك؟

قلت: عطشان والله يا أمير المؤمنين.

فوثب من مرقده فجاءني بكوز من ماء. فقلت:

يا أمير المؤمنين، ألا دعوت بخادم؟ ألا دعوت بغلام؟

فقال: لا. حدثني أبي عن أبيه عن جدّه عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: سيّد القوم خادمهم.

وفي رواية عن يحيى: بتّ ليلة عند المأمون فعطشت في جوف الليل فقمت لأشرب ماء. فرآني فقال: مالك ليس تنام يا يحيى؟

فقلت: يا أمير المؤمنين، أنا والله عطشان.

قال: ارجع إلى موضعك.

فقام والله إلى البرّادة فجاءني بكوز ماء وقام على رأسي وقال: اشرب يا يحيى!

فقلت: يا أمير المؤمنين، فهلّا وصيف أو وصيفة تغني؟

فقال: إنّهم نيام.

قلت: فأنا أقوم للشرب.

فقال لي: لوم بالرجل أن [١٣٤ أ] يستخدم ضيفه.

ثمّ قال: يا يحيى!

قلت: لبّيك يا أمير المؤمنين!

قال: ألا أحدّثك؟

قلت: بلى يا أمير المؤمنين.

قال: حدّني الرشيد قال: حدّثني المهدي قال:

حدّثني المنصور عن أبيه عن عكرمة عن ابن عبّاس قال: حدّثني جرير بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: سيّد القوم خادمهم.

وفي رواية، قال يحيى: ما رأيت أكرم من المأمون: بتّ عنده ليلة فعطش وقد نمنا. فكره أن يصيح بالغلمان فأنتبه- وكنت منتبها- فرأيته قد قام يمشي قليلا قليلا إلى البرّادة بينه وبينها بعد حتّى شرب ورجع، ثمّ بتّ عنده ونحن بالشام وما معي أحد. ولم يحملني النوم. فأخذ المأمون فرأيته يسدّ فاه بكمّي قميصه حتّى لا أنتبه. ثم حملني آخر الليل النوم. وكان له وقت يقوم فيه يستاك.

فكره أن ينبّهني. فلمّا ضاق الوقت عليه تحرّكت،


(١) تاريخ بغداد ١٠/ ١٨٧ - ١٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>