للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد رأيت أن نترك غدا جماعة صالحة من أبطال المسلمين في خيامهم متأهّبين ونقاتل نحن الروم في باقي العسكر إلى أن يشجروا ويملّوا. فإذا رجعوا إلى خيامهم ورجع المسلمون ركب من كان في الخيام من المسلمين ولم يشهدوا القتال وهم مستريحون، ونقصدهم على غرّة، فلعلّ الله ينصر عليهم.

فأحضر ابن أبي سرح (١) جماعة من الصحابة واستشارهم، فوافقوه على ذلك. فلمّا كان من الغد فعل ما اتفقوا عليه، وأقام جميع شجعان المسلمين في خيامهم، وخيولهم عندهم مسرجة، ومضى الباقون فقاتلوا الروم إلى الظهر قتالا شديدا. فلمّا أذّن الظهر همّ الروم بالانصراف على العادة فلم يمكّنهم ابن الزبير وألحّ عليهم بالقتال حتّى أتعبهم. ثمّ عاد عنهم هو والمسلمون فألقى كلّ من الطائفتين سلاحه ووقع على الأرض تعبا.

فبادر عند ذلك ابن الزبير وأخذ من كان مستريحا من شجعان المسلمين وقصد الروم، فلم يشعروا بهم حتّى خالطوهم وحملوا عليهم حملة رجل واحد وهم يكبّرون، فلم يتمكّن الروم من لبس سلاحهم حتّى غشيهم المسلمون، وقتل الله جرجير بيد ابن الزبير. وانهزم الروم وقتل منهم مقتلة عظيمة. وأخذت ابنة جرجير سبيّة فنفّلها ابن أبي سرح عبد الله بن الزبير. فأرسله بالبشارة إلى عثمان.

في رواية (٢): قال عبد الله بن الزبير: هجم علينا جرجير [في معسكرنا في عشرين ومائة ألف فأحاطوا بنا من كلّ مكان، وسقط في أيدي المسلمين، ونحن في عشرين ألفا، فاختلف [الناس] على ابن أبي سرح، [فدخل فسطاطه]

ورأيت غرّة من جرجير، بصرت به خلف عساكره على برذون أشهب معه جاريتان تظلّان عليه بريش الطواويس، بينه وبين جنده أرض بيضاء ليس فيها أحد. فخرجت أطلب ابن أبي سرح فقيل لي: قد خلا في فسطاطه. فأتيت حاجبه فأبى أن يستأذن لي عليه، فدرت من كسر الفسطاط فدخلت عليه فوجدته مستلقيا على ظهره. فلمّا دخلت [استوى جالسا، فقلت: إيه! إيه! كلّ أزبّ نفور (١*)! إنّي رأيت غرّة من العدوّ، فاخرج فاندب لي الناس! -[ف] قام من فوره] (٢*) وخرج معي مسرعا فقال:

أيّها الناس، انتدبوا مع ابن الزبير- فأخذت ثلاثين فارسا وقلت لسائرهم: «البثوا على مصافّكم»، وحملت في الوجه الذي رأيت فيه جرجير، وقلت لأصحابي: «احموا لي ظهري! » فو الله ما نشبت أن خرقت الصفّ إليه فخرجت صامدا له وما يحسب هو ولا أصحابه إلّا أنّي رسول إليه حتى دنوت منه، فعرف الشرّ، فثنى برذونه مولّيا فأدركته فطعنته فسقط، وسقطت الجاريتان عليه. وأهويت إليه مبادرا فوقعت (٣*) عليه بالسيف وأصبت يد إحدى الجاريتين فقطعتها. ثمّ احتززت رأسه فنصبته في رمحي وكبّرت. وحمل المسلمون في الوجه الذي كنت فيه، وارفضّ العدوّ في كلّ وجه، ومنح الله المسلمين أكتافهم. فلمّا أراد ابن أبي سرح أن يوجّه بشيرا إلى عثمان قال: أنت أولى من ههنا بذلك.

فانطلق إلى أمير المؤمنين فأخبره الخبر.

وقيل: بل أخذ ابنة جرجير رجل من الأنصار.

فسار ابن الزبير على راحلته إلى المدينة من إفريقيّة عشرين ليلة. ودخل على عثمان رضي الله


(١) نهاية الأرب ٢٤/ ١٣.
(٢) رياض النفوس ١/ ٢٣ - والبيان المغرب ١/ ١٠.
(١*) مثل. الميداني: مجمع ٢٩٩٦.
(٢*) الزيادة من رياض النفوس ١/ ٢٤ والبيان ١/ ١١.
(٣*) في المخطوط: فدفعت عليه. والإصلاح من البيان ١/ ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>