للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وبعثه إلى ملك فاس مع ابنه أبي زكريا صاحب بجاية صريخا على بني عبد الواد ملوك تلمسان.

وما زال يرجع إليه في المشورة والتدبير ويعوّل على رأيه إلى أن تقلّد الحجابة في سنة أربع وأربعين [وسبعمائة] (١) وفوّض إليه السلطان أبو بكر ما وراء وعقد على الوزارة لأخيه أبي العبّاس أحمد.

وصار أبو محمد يلازم الباب ودفع أخاه أبا العباس إلى الحرب وقيادة العساكر حتّى قتل بيد سحيم من العرب في أوّل سنة سبع وأربعين [وسبعمائة] وقد خرج لجباية هوارة.

ولم يزل أبو محمد مستبدّا بالمملكة حتّى قدم السلطان أبو الحسن من فاس إلى إفريقيّة وملك تونس. فتحيّل في الخروج من عنده ولحق بالعرب وقد أقاموا أحمد بن عثمان بن أبي دبّوس (٢) سلطانا فقلّدوه حجابته (٣) وبعثوه إلى حصار قصبة تونس، وقد خرج عنها أبو الحسن لقتال العرب وترك بها حرمه وأولاده. فنزل عليها أبو محمّد (٤) بسلطانه ونصب المجانيق عليها فلم يغن شيئا حتى

قدم السلطان أبو الحسن من القيروان في [يوم] النحر إلى تونس. فتسلّل أبو محمد من أصحابه وركب البحر في شهر ربيع الأوّل (١*) سنة [١٧٩ ب] تسع وأربعين [وسبعمائة] إلى الإسكندريّة وقدم القاهرة واتّصل بالأمير بيبغا أروس القاسميّ نائب السلطان.

فبعث السلطان أبو الحسن [المريني] في طلبه فلم يسلمه الأمير بيبغا أروس، وجهّزه للحجّ في سنة خمسين. فحجّ واجتمع في حجّه بعمر بن حمزة بن أبي الليل، وتعاقدا على الرجوع إلى إفريقية والتظاهر على أمرها.

وعادا ووافقا العرب على المكر بالسلطان أبي العبّاس الفضل ابن السلطان أبي بكر، وزحفوا إلى تونس. فخرج إليهم السلطان أبو العبّاس فقبضوا عليه.

ودخل أبو محمد ابن تافراكين تونس لإحدى عشرة من جمادى الأولى سنة إحدى وخمسين، وأقام الأمير أبا إسحاق إبراهيم ابن السلطان أبي بكر في المملكة، وهو غلام لم يبلغ الحلم. وقتل أبا العبّاس الفضل، وقام بأمر الدولة وحجّر على السلطان، واستبدّ بالأمور كلّها. فنقم عليه الأمراء شأن استبداده.

وشمّر أبو العبّاس أحمد بن مكّي متولّي قابس للسعي عليه لمنافسة كانت بينهما، واستعان بأولاد مهلهل، فشنّوا الغارات على الضواحي وجمعوا الناس. فبعث إليهم أبو محمد عسكرا في سنة اثنتين وخمسين [وسبعمائة] فكسروه، وجبوا أموال النواحي، وظاهروا الأمير أبا زيد عبد الرحمن ابن الأمير أبي زكريا يحيى صاحب قسنطينة، وزحفوا به في سنة ثلاث وخمسين.


(١) في تاريخ الدولتين للزركشيّ، ٧٧: تقلّد الحجابة عوضا عن الحاجب أبي القاسم ابن عبد العزيز الغسّاني الذي توفّي في مستهلّ سنة ٧٤٤، وبخصوص الحجابة في الدولة الحفصيّة انظر مقدّمة ابن خلدون، ٢٤١.
(٢) أحمد بن عثمان بن أبي دبّوس: له ترجمة في المقفّى رقم ٤٨٢ (ت بعد ٧٤٨) وهو هناك: أحمد بن عبد السلام بن عثمان. وقال الزركشيّ: «وكان بتوزر أحمد بن عثمان بن أبي دبّوس- آخر خلفاء بني عبد المؤمن- وكان خيّاطا فجاءوا به ونصبوه للأمر» (الدولتين ٨٤).
(٣) في المخطوط: حاجبه، والإصلاح من تاريخ الدولتين:
«فخرج إليهم [ابن تافراجين] فقلّدوه حجابة سلطانهم أحمد ابن أبي دبّوس، ثمّ دفعوه لمحاربة من بقصبة تونس، فنازلها ونصب المجانيق عليها فلم تغن شيئا (الدولتين ٨٤).
(٤) أي ابن تافراجين، وسلطانه هو الخيّاط المشار إليه آنفا.
(١*) في شهر ربيع الآخر عند الزركشي ٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>