للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقال أميّة: كلاب غرماء قد نبحتني ونهشتني.

فقال له عبد الله: قدمت عليّ، وأنا عليل من حقوق لحقتني ولزمتني. فأنظرني قليلا يحم ما في يدي. فقد ضمنت قضاء دينك ولا أسأل عن مبلغه.

فأقام أميّة أيّاما ثم أتاه فقال [الوافر]:

أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك؟ إنّ شيمتك الحياء

وعلمك بالحقوق وأنت فرع ... لك الحسب المهذّب والسّناء (١)

كريم لا يغيّره صباح ... عن الخلق السّنيّ ولا مساء

يباري الريح مكرمة وجودا ... إذا ما الكلب أحجره الشتاء

وأرضك أرض مكرمة بناها ... بنو تيم وأنت لها سماء

إذا أثنى عليك المرء يوما ... كفاه من تعرّضه الثناء

إذا خلّفت عبد الله فاعلم ... بأنّ القوم ليس لهم حداء (٢)

فأبرز فضله حقّا عليهم ... كما برزت لناظرها السماء

وهل تخفى السماء على بصير ... وهل بالشمس طالعة خفاء؟

فلمّا أنشده أميّة هذا الشعر كانت عنده قينتان.

فقال لأميّة: خذ أيّتهما شئت. فأخذ إحداهما وانصرف. فمرّ بمجلس من مجالس قريش فلاموه على أخذها وقالوا: لقد ألفيته عليلا. فلو رددتها عليه- فإنّ الشيخ يحتاج إلى خدمتها- كان ذلك

أقرب لك عنده وأكبر من كلّ حقّ ضمنه.

فوقع الكلام من أميّة موقعا فرجع إليه ليردّها عليه. فلمّا أتاه بها قال [له] ابن جدعان: لعلّك إنّما رددتها لأنّ قريشا لاموك على أخذها؟ - ووصف لأميّة ما قال القوم.

فقال له أميّة: والله ما أخطأت يا أبا زهير!

فقال عبد الله: ما الذي قلت في ذلك؟

[ف] قال أميّة [الطويل]:

عطاؤك زين لامرئ إن حبوته ... ببذل وما كلّ العطاء يزين

وليس بشين لامرئ بذل وجهه ... إليك، كما بعض السؤال يشين

فقال عبد الله لأميّة: خذ الأخرى!

فأخذهما جميعا وخرج. فلمّا صار إلى القوم بهما، أنشأ يقول [الوافر]:

وما لي لا أحيّيه وعندي ... مواهب يطّلعن من النجاد؟ [١٩٥ أ]

لأبيض من بني عمرو بن كعب ... وهم كالمشرفيّات الحداد

لكلّ قبيلة هاد ورأس ... وأنت الرأس تقدم كلّ هاد

عماد الخيف قد علمت معدّ ... وأنت البيت يرفع بالعماد

له داع بمكّة مشمعلّ ... وآخر فوق كعبتها ينادي

إلى ردح من الشئزى ملاء ... لباب البرّ يلبك بالشهاد

فأدلجهم على ربذ يداه ... بفعل الخير ليس من الجماد (١*)


(١) في الأغاني: وعلمك بالأمور.
(٢) في الأغاني: ليس لهم جزاء.
(١*) هذه الأبيات في الأغاني مع اختلاف في الرواية والترتيب.-

<<  <  ج: ص:  >  >>