للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فجعل ليلة يخاطب القمر بيده. فلمّا أصبح أخبر بذلك فآلى أن لا يشربها أبدا وقال [الوافر]:

شربت الخمر حتّى قال صحبي ... ألست عن السفاه بمستفيق؟

وحتّى م أوسّد في مبيت ... أنام به سوي الترب سحيق؟

وحتى أغلق الحانوت رهني ... وآنست الهوان من الصديق

فلم يقربها بعد ذلك.

وقيل: كان سبب تركه الخمر أنّ أميّة بن أبي الصلت شرب معه فأصبحت عين أميّة مخضرّة يخاف عليها الذهاب. فقال له: ما بال عينك؟

فسكت. فلمّا ألحّ عليه قال له: أنت صاحبها، أصبتها البارحة.

فقال: أو بلغ الشراب منّي أن أنال من جليسي هذا؟ لا جرم لأدينّها ديتي عينين!

فأعطاه عشرة آلاف درهم وقال: الخمر حرام عليّ أن أذوقها أبدا- وتركها من يومئذ.

ولمّا مات عبد الله بن جدعان فمرّ بنعشه صرخت ضباعة- بنت عامر بن قرظ بن سلمة بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة- فقال لها زوجها هشام بن المغيرة يؤنّبها: مه! - وكانت قبله عند عبد الله بن جدعان خلف عليها بعد عليّ بن أبي هوذة الحنفيّ- فقالت: إنّه كان نعم زوج الغريبة!

فقال هشام: وزوج القريبة! وما ألومك أن تبكي سيّد قريش.

وكان حرب بن أميّة، وعبد الله بن جدعان، وهشام بن المغيرة يتجالسون، وكان حرب يتوسّط عليهما. فلمّا مات حرب جاء ابنه أبو سفيان بن حربليجلس ذلك المجلس، فقال له هشام:

تنحّ! فإنّا أعطينا ذاك أباك!

فقال أبو سفيان: أمّا إذ فعلت فو الله لأوسّطنّ أشرفكما!

فوسّط عبد الله بن جدعان.

وكان عبد الله بن جدعان قد كبر، فأخذت بنو تيم على يده ومنعوه أن يعطي من ماله شيئا. فكان الرجل إذا أتاه يسأله، يقول [له]: «ادن منّي! » فإذا دنا منه لطمه ثمّ قال: اذهب فاطلب لطمتك أو ترضّى منها!

فيطالبه الرجل بلطمته فترضيه [١٩٦ أ] بنو تيم من مال عبد الله بن جدعان، ففي ذلك يقول عبد الله بن قيس الرقيّات [الخفيف]:

والذي إن أشار نحوك لطما ... تبع اللطم نائل وعطاء

وعن هشام بن عروة قال: تذاكروا شرف الجاهليّة يوما عند عبد الله بن الزبير فقال: ما لنا وللجاهليّة؟

فقيل له: لا بدّ للناس من ذكر مآثرهم.

فقال: إن كنتم لا بدّ فاعلين فاذكروا عبد الله بن جدعان، فما اقتسم الشرف إلّا بعده.

وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: سمعته يذكر أهل الجاهليّة وابن جدعان فقال: كان والله يطعم من بين أجبل مكّة- ما يستثني عروة أحدا.

وقال الزبير بن بكّار: كان عند قريش رجل من غنيّ كان أسيرا عندهم في الحديد. فنحر ابن جدعان ودعا الناس فشغلوا عنه بالطعام. فلمّا غفلوا رقي الجبل ثمّ تنحّى منه في ناحية فدقّ حديده ثمّ مضى وهو يقول [الرجز]:

كم ناقة غادرتها منتظرة ... وبازل كوماء مثل القنطرة

<<  <  ج: ص:  >  >>