ضبعان في اليوم الذي هزم فيه عبد الله بن عليّ.
وحوى أبو مسلم أموال عبد الله بن علي وجميع ما كان في عسكره وأطلق من أسره ووهب لكلّ أسير أربعة دراهم. ولم يقتل إلّا أبا غسّان لشهادته بما شهد به لعبد الله بن عليّ.
ولمّا علم عامل عبد الله بن علي على دمشق الخبر قتل العكّيّ وابنه خالدا وكانا في حبسه.
وكتب أبو مسلم إلى المنصور يعلمه أنّ الجزيرة والشام بمواضع من الثغور مشحنة للعدوّ وأنّها لا تسدّ إلّا بهم، وسأله الصفح عنهم، وأشار عليه باستصلاح وجوههم واصطناعهم. ووفد [ ... ] إليه عدّة من أشرافهم.
وكان عبد الله بن علي لمّا توجّه لغزو الصائفة بلغه أنّ أبان بن معاوية بن هشام بن عبد الملك قد أقبل يريده في أربعة آلاف فقصد له ووجّه على مقدّمته حميد بن قحطبة [٢٤٢ ب] والعبّاس بن زبيد فلم يكن منهم كبير قتال حتى انهزم أبان وأصحابه وتحصّنوا في حصن كيسوم، فنزل عليه عبد الله فطلبوا الأمان فأمّنهم. وهرب أبان فدلّ عبد الله عليه، وكان في غار، فقطع عبد الله يديه ورجليه ثم ضرب عنقه. وأتى دابق فبلغه خبر وفاة أبي العبّاس. وكانت عند عبد الله بن عليّ أمة الحميد (١) ويقال: أختها أمّ البنين بنت محمد بن عبد المطّلب بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطّلب بن هاشم فقالت له: قتلت أهل الشام فأسرفت، ثم قتلت أهل خراسان وكانوا أنصاركم وأولياء دعوتكم، ثم انتحلت الخلافة وقابلت ابن أخيك، وهو الخليفة، فلم تبق غاية ولم تدع جهدا، ثم هربت إلى غير ملجا ولا حرز. فهلّا متّ كريما! أما والله لتقاسينّ ذلّا طويلا!
فغضب فطلّقها، وكان له منها: محمد، وعيسى، وأمّ محمد، وأمّ عبد الله.
ولمّا هرب عبد الله بلغ المنصور أنّ عبد الحميد بن ربعيّ أبا غانم بالرها، وكان صديقا لأبي الأزهر المهلّب بن العبثر المهريّ، فوجّهه يطلب الشراة وأهل الفساد من الأعراب ويسكّن الناس، فجعل يقتل الأعراب من أهل الدعارة حتى أتى الرها. فبعث إلى أبي غانم: إنّي مشتاق إليك وقد وجّهت في أمر فتركته وملت إليك لأحدث بك عهدا.
فخرج إليه وجعلا يتنادمان، ثمّ ذاكره الخروج إلى المنصور فقال: أنا مستوحش، ولا عذر لي ولا حجّة فيما كان منّي.
ثم إنّه خرج إليه يوما في خفّ فأسكره وحمله فارتحل فأوفده على حميد بن قحطبة وهو وال على الجزيرة فأنفذه إلى المنصور، فقال له [٢٤٣ أ] المنصور: ويحك! ما حملك على ما صنعت؟
قال: لا عذر لي فأتكلّم.
فقال: أنا أكره أن أقتل رجلا من آل قحطبة، ولكنّي أهب مسيئهم لمحسنهم، وقد وهبتك لا بني قحطبة حميد والحسن.
فقال: يا أمير المؤمنين، إن لم يكن فيّ مصطنع فاقتلني!
قال: إنّك أحمق أهوج. اخرج فأنت عتيق لهم أبدا!
ولمّا أقام عبد الله بن عليّ بالبصرة خرج سليمان ابن عليّ إلى المنصور فطلب له أمانا وقال: يا أمير المؤمنين، إنّ عفوك لا يضيق عنه، وهو ابن أبيك، وفيه مستصلح.
(١) في الجمهرة، ١٥٣: هي بنت عبد الله بن عياض.