قالوا: لا يتمنّى لنا ولا له.
قال: ما هذا بكم!
قالوا: أنت والله أمرته بهذا.
فثار إليه الأشتر، وكعب بن ذي الحبكة النهديّ، وجندب، وصعصعة، وابن الكوّاء، وكميل بن زياد، وعمير بن ضابئ فأخذوه.
فذهب أبوه ليمنعهم فأخذوه. وضربوهما حتّى غشي عليهما، وسعيد يناشدهم الله ويأبون حتى قضوا منهما وطرا.
وبلغ ذلك بني أسد فجاءوا فأحاطوا بالقصر وركبت القبائل، وقالوا لسعيد: أقلنا وخلّصنا!
فخرج إليهم وقال: يا أيّها الناس، قوم تنازعوا وتهاووا وقد رزق الله العافية- وما زال بهم حتّى انفضّوا.
فقعد أولائك النفر في بيتهم وأقبلوا على الإذاعة والسمعة فلام أهل الكوفة سعيدا في أمرهم، فقال: قد نهاني أمير المؤمنين أن أحرّك شيئا.
فكتب أشرافهم وصلحاؤهم إلى عثمان في إخراجهم، فكتب: إذا اجتمع ملئوكم على ذلك فألحقوهم بمعاوية بن أبي سفيان.
فأخرجوهم من الكوفة، فذلّوا وانقادوا، وهم بضعة عشر رجلا.
وقيل: بل كان سبب إخراجهم أنّ مالك بن كعب [الهمدانيّ] الأرحبيّ، والأسود بن يزيد، وعلقمة بن قيس، النخعيّين، والأشتر، في آخرين، كانوا يسمرون عند سعيد بن العاص، فقال سعيد: إنّما هذا السواد بستان قريش، ما شئنا أخذنا وما شئنا تركنا.
فقال الأشتر: أتزعم أنّ السواد الذي أفاء الله علينا بأسيافنا بستان لك ولقومك؟
وتكلّم القوم معه، فقال عبد الرحمن الأسدي صاحب الشرطة: أتردّون على الأمير مقالته؟
- وأغلظ لهم. فقال الأشتر: من ههنا؟ لا يفوتنّكم الرجل!
فوثبوا عليه فوطئوه وطأ شديدا حتى غشي عليه، ثمّ جرّوا برجله. فأخذ منهم ورشّ عليه الماء حتّى أفاق. فقال سعيد: والله لا يسمر عندي [منهم] أحد أبدا!
فجلس هؤلاء في مجالسهم وجعلوا يشتمون عثمان وسعيدا، فاجتمع إليهم الناس حتى كثروا.
فكتب سعيد إلى عثمان: إنّ قوما يدعون القرّاء، وهم الضيعاء، وثبوا على صاحب شرطتي فضربوه ظالمين له وشتموني واستخفّوا بي، منهم عمرو بن زرارة النخعيّ، وكميل بن زياد، ومالك بن الحارث الأشتر، وحرقوص بن زهير السعدي، وشريح بن أوفى العبسيّ، وزيد بن المكفّف، وزيد بن صوحان، وصعصعة بن صوحان، العبديّون، وجندب بن زهير الأزديّ.
وكتب أيضا أشراف الكوفة إلى عثمان في إخراجهم، فكتب إليهم أن يلحقوهم بمعاوية.
وكتب إلى معاوية: إنّ أهل الكوفة قد أخرجوا إليك نفرا خلقوا للفتنة فزعهم (١) وقم عليهم، فإن أنست منهم رشدا فاقبل منهم، وإن أعيوك فارددهم عليّ- وكانوا: الأشتر، وثابت بن قيس الهمدانيّ، وكميل بن زياد، وزيد بن صوحان وأخوه صعصعة بن صوحان، وجندب بن زهير الغامديّ، وجندب بن كعب الأزديّ، وعروة بن الجعد، وعمرو بن الحمق الخزاعيّ، وابن الكوّاء.
فلمّا قدموا على معاوية رحّب بهم وأنزلهم
(١) زعهم: فعل أمر من وزع، يزع الرجل: كفّه ومنعه.