كافور: إيش قال؟ شتمني؟
فقيل له: لا.
ثمّ لم يبرح تحرير حتّى قرّر حضور ابن الحدّاد المجلس. وكان فيما قال لكافور: أيّها الأستاذ، الصدق أنّه ليس يجمل هذا الشيخ الحضور، وإنّما حضوره يجمل، وتأخّره عظيم يكتب إلى الآفاق به [فتحصل الشفاعة] (١).
فقال كافور: ما حجبته.- وتقدّم بإكرامه وأن يرسل إليه.
قال ابن زولاق: والبيت الذي أنشده [الطويل]:
فلو كنت ضبّيّا عرفت قرابتي ... ولكنّ زنجيّا عظيم المشافر
[١٠٣ ب] ثمّ انصرف السوكيّ من عشيّته إلى ابن الحدّاد يلومه على ما أنشد. فقال له: يا أبا محمّد، كنت تدع [ن] ي أتمّ البيت، فو الله ما يصل إليّ ولا يقدر على مكروهي.
وتعصّب أبو الفضل جعفر بن الفرات الوزير لأبي بكر ابن الحدّاد فبلّغه في الحضور ما أحبّ.
ولم يزل ابن الحدّاد ملازما لمجلس كافور على مضض، إلى أن تأهّب أبو الفضل الوزير للحجّ، فاغتنم ابن الحدّاد ذلك وتجهّز [للحجّ في] ضيق صدر. وحفظ عليه، وقد ركب محمله وهو يقول:
هو ذا أخرج وأدع مصر للخصيبيّ! - وسار وهو يقول: اللهمّ، لا تمتني في دار غربة!
فاستجيبت الدعوة، واعتلّ في نصف الطريق وهو راجع. وتوفّي في محمله موضع القاهرة اليوم، ودفن في وطنه.
وقال القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة
القضاعي في كتاب الخطط: أبو بكر محمد بن أحمد ابن الحدّاد القاضي: توفّي منصرفه من الحجّ في سنة أربع وأربعين وثلاثمائة بمنية جريج على باب مدينة مصر- وقيل: في موضع القاهرة- وقبره في بحر محمود على يمين من يمضي إلى الخندق، وكان على ظاهر حجرته رخام فقلع. وهو مجاور قبر أبي الحسن بن طاهر الصوّاف.
وكان يخلف القضاة، ثمّ ولي القضاء رئاسة.
وكان متصرّفا في علوم كثيرة: من علوم القرآن، والفقه، والحديث، والشعر، وأيّام العرب، والنحو واللّغة، وغير ذلك. ولم يكن في زمانه مثله وكان محبّبا إلى الخاصّ والعامّ. وحضر جنازته الأمير أبو القاسم أونوجور ابن الإخشيد، وكافور، وجماعة أهل البلد، وله تسع وسبعون سنة وأربعة أشهر ويومان. وكان مولده في اليوم الذي مات فيه المزنيّ، وهو لستّ بقين من شهر رمضان سنة أربع وستّين ومائتين.
وقال السمعانيّ: كان يقال: عجائب الدنيا ثلاث: غضب الجلّاد، ونظافة السّماد، والردّ على ابن الحدّاد. وكان ابن الحدّاد هذا تولّى قضاء مصر دفعتين وتكرّر في نيابة القضاء كرّات. وكان قد حجّ، فلمّا قدم من الحجّ توفّي في طريق الجبّ بين مصر وجبّ عميرة في المحرّم سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، ودخل به ميتا في محمله، ودفن بسفح المقطّم عند أبيه وأمّه.
وقال ابن خلّكان: توفّي يوم قدومه من الحجّ سنة خمس وأربعين. قال ابن زولاق في حوادث سنة خمس وأربعين: ففي صفر منها وافى حاجّ البرّ [١٠٤ أ] ووافى أبو بكر ابن الحدّاد الفقيه ميتا في محمله، فأخرج من الغد. وكانت جنازته عظيمة، وحضرها الأمير أونوجور والأستاذ كافور.
(١) الكندي ٥٥٤.