فجاء صاحب الساجة فأتى بشاهدين عدلين أنّها ساجته وأنّ هذا الرجل غصبه عليها؟
قلت: أقول لصاحب الساجة يرضى بأن يأخذ القيمة، فإن رضي دفعت إليه القيمة، وإن أبى قلعت البنيان من الساجة ودفعتها إليه.
قال: أليس قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: لا ضرر ولا ضرار؟
فقلت له: من أدخل عليه الضرر؟ إنّما هو أدخل الضرر على نفسه.
قال: فما تقول في رجل اغتصب من رجل خيط إبريسم فخاط به بطنه، فجاء صاحب الخيط فأقام البيّنة بشاهدين عدلين أنّ هذا الخيط خيطه، فإنّه اغتصبه عليه. أكنت تنزع الخيط من بطن هذا فتدفعه إليه؟
قلت: لا.
فقال: الله أكبر! تركت قولك!
ثمّ قال لي أصحابه: قد تركت قولك.
فقلت لهم: لا تعجلوا.
قال: فما تقول في رجل اغتصب من رجل لوحا، فأدخله في سفينة في لجج البحر، فأقام صاحب اللوح البيّنة بشاهدين عدلين أنّ هذا اللوح لوحه، وأنّه غصبه إيّاه؟ أكنت تنزع اللوح من السفينة وتدفعه إلى الرجل المحقّ؟
قلت: لا.
قال: الله أكبر! تركت قولك- وقال أصحابه:
تركت قولك! - فقلت لهم: مهلا، لا تعجلوا!
ثمّ قلت له: ما تقول أنت لو كانت الساجة ساجته لم يغصب عليها أحدا، فأراد أن يهدم البنيان الذي قد أنفق عليه ألف دينار، كان ذلك له مباحا؟
قال: نعم.
قلت: أرأيت لو كان الخيط خيط نفسه، ثمّ أراد أن ينزعه، أكان له نزع ذلك؟
قال: لا.
قلت: رحمك الله، فلم تقيس على مباح محرّما؟
قال: فكيف تصنع بصاحب اللوح؟
قلت: آمره أن يقرب إلى أقرب [١٢٢ أ] المراسي إليه، مرسى لا يكون عليه ولا على أصحابه فيه هلكة، ثمّ أنزع اللوح فأدفعه لصاحبه وأقول لصاحب السفينة: أصلح سفينتك!
ثمّ قلت له: ولكن ما تقول أنت في رجل اغتصب رجلا من الزّنج جارية فأولدها أولادا كلّهم قد قرأ القرآن، وخطب على الناس، وقضى بين المسلمين، ثمّ جاء صاحب الجارية فأقام البيّنة بشاهدين عدلين أنّ هذه جاريته وأنّه غصبه عليها وأولدها هؤلاء كلّهم. بم كنت تحكم في ذلك كلّه؟
قال: كنت أجعلهم رقيقا له وأردّ الجارية عليه.
فقلت: أنشدك الله: أيّتهما أعظم ضررا: أن تجعل أولاد هؤلاء رقيقا أو تنزع البنيان من الساجة؟
(قال): فبقي، ولم يردّ عليّ جوابا. ثمّ إنّه بعد ذلك عرف حقّي وموضعي وقال بفضلي.
وقال أبو زكريّا يحيى بن زكريا الساجي: حدّثنا الربيع قال: سمعت الشافعيّ يقول: كنت وأنا في الكتّاب أسمع المعلّم يلقّن الصبيّ الآية فأحفظ الآية أنا. ولقد كان يكتب الصبيان إملاءاتهم، فإلى أن يفرغ المعلّم من الإملاء عليهم [كنت] قد حفظت جميع ما أملى. فقال لي ذات يوم: ما يحلّ لي أن آخذ منك شيئا. (قال): ثمّ لمّا خرجت من الكتّاب، كنت ألتقط الخزف والرقوق وكرب