وكان يوما عند المأمون وليس معهما إلّا المعتصم. فذكر المعتصم كلاما فلم يحتمل ذلك منه إبراهيم وأجابه بجفاء. فأخفى ذلك المأمون ولم يظهره ذلك الإظهار (١). فلمّا صار من الغد إلى المأمون كما كان يصير قال له الحاجب:
أمرت أن لا آذن لك.
فدعا بدواة وقرطاس وكتب [الطويل]:
أنا المذنب الخطّاء والعفو واسع ... ولو لم يكن ذنب لما عرف العفو
سكرت فأبدت منّي الكأس بعض ما ... كرهت وما إن يستوي السكر والصّحو
ولا سيّما إذ كنت عند خليفة ... وفي مجلس ما إن يليق به اللغو
ولولا حميّا الكأس كان احتمال ما ... بدهت به لا شك فيه هو السرو
تنصّلت من ذنبي تنصّل ضارع ... إلى من إليه يغفر العمد والسهو
فإن تعف عنّي ألف خطوي واسعا ... وإلّا يكن عفو فقد قصر الخطو
فأدخلها الحاجب ثمّ خرج فأدخله. فمدّ المأمون باعيه فأكبّ [٦٨ ب] على يديه يقبّلهما، فضمّه المأمون إليه وأجلسه. ووقّع المأمون على ظهر أبياته [الخفيف]:
إنّما مجلس الندامى بساط ... للمودّات بينهم وضعوه
فإذا ما انتهوا إلى ما أرادوا ... من حديث ولذّة رفعوه
وكان مع المأمون في بلد الروم. فبينما هو يسير إذ برقت برقة في ليلة مظلمة شاتية ذات غيم
وريح، وعريب في قبّة إلى جانبه. فقالت:
إبراهيم بن اليزيدي؟
فقال: لبّيك!
قالت: قل في هذا البرق أبياتا أغنّي فيها.
فقال [الرجز]:
ماذا بقلبي من أليم الخفق ... إذا رأيت لمعان البرق
من قبل الأردنّ أو دمشق ... لأنّ من أهوى بذاك الأفق
فارقته وهو أعزّ الخلق ... عليّ، والزور خلاف الحقّ
وهو الذي يملك منّي رقّي ... ولست أبغي ما حييت عتقي
فتنفّست نفسا كاد يقطع حيازيمها. قال:
ويحك! على من هذا؟
فضحكت، ثم قالت: على الوطن!
فقال: هيهات! ليس هذا كلّه للوطن!
فقالت: ويلك! أفتراك ظننت أنّك تستفزّني؟
والله لقد نظرت نظرة مريبة في مجلس، فادّعاها أكثر من ثلاثين رئيسا. [و] والله ما علم أحد منهم لمن كانت إلى هذا الوقت!
قال الخطيب: هو بصريّ سكن بغداد. وكان ذا قدر وفضل وحظّ وافر من الأدب. وله كتاب مصنّف يفتخر به اليزيد [يّ] ون وهو «ما «اتّفق لفظه واختلف معناه» نحو [٦٧ ب] من سبعمائة ورقة ذكر أنّه بدأ يعمله وهو ابن سبع عشرة سنة، ولم يزل يعمله إلى أن أتت عليه ستّون سنة. وله كتاب «مصادر القرآن»، وكتاب في بناء الكعبة وأخبارها. وكان شاعرا مجيدا.
(١) في معجم الأدباء: ولم يظهر ذلك الإظهار، ولعلّها: ذلك النهار.