للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فطرقت الباب فنزل إلينا شيخ فسلّمت عليه، فردّ السلام. فقلت: الأستاذ أبو المسك كافور يخصّ الشيخ بالسلام.

فقال: والي بلدنا؟

قلت: نعم.

قال: حفظه الله! الله يعلم أنّي أدعو له في الخلوات وأدبار الصلوات ما الله تعالى سامعه ومستجيب [إليه].

قلت: وقد أنفذ معي هذه وسأل قبولها لتصرف في مؤنة هذا العيد المبارك.

فقال: هو يرعانا، ونحن نحبّه في الله، وما نفسد هذا بغلّة (١).

فراجعته القول فتبيّنت الضجر في وجهه والقلق والتلهّف على العود إلى حيث كان. فاستحييت من الله أن أقطعه عمّا هو عليه، وعلمت أنّها من الليالي الأربع (٢)، وانصرفت.

فوجدت [الأمير] قد تهيّأ للركوب وعليه سواده وهو منتظر لي. فقال لي: هيه يا أبا بكر؟

فقلت له: أرجو أن يستجيب الله تعالى لك دعوة دعيت في هذه [١٧٩ ب] الليلة وفي هذا اليوم الشريف.

فقال لي: أنت مبارك.

وأخبرته بامتناع ابن جابار وبقوله. فقال: هو جديد، ولم يجر بيننا وبينه معاملة قبل هذا الوقت- وضحك ثمّ قال: عد إليه، واركب دابّة من دوابّ النوبة، ولست أشكّ فيما لقيت دابّتك في هذه الليلة من التعب، فإذا نزل إليك سيقول لك: ألم

تكن عندي؟ - فلا تردّ عليه جوابا واستفتح وقل:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* طه* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى * تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى * الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى * لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى [طه: ١ - ٦] يا ابن جابار، قال لك كافور، ومن كافور الأسود، ومن مولاه، ومن الخلق؟ لا معه ملك يشركه، تلاشى الناس كلّهم ههنا. من معطيك؟ على من رددت؟ ما تفرّق بين السبب والمسبّب! (٣)

(قال) فركبت وسرت فطرقت منزله، فنزل إليّ وقال لي مثل لفظ الأستاذ سواء، فأضربت عن الجواب واستفتحت بالقراءة حتى بلغت إلى قوله:

وَما تَحْتَ الثَّرى [ف] قلت له ما قال كافور.

فبكى وقال: أين ما حملت؟ - فأخرجت الصرّة فأخذها وقال: علّمنا الأستاذ كيف التصرّف. قل له: أحسن الله جزاءك.

قال: فعدت إليه فأخبرته فسرّ بذلك وركب حينئذ.

قال ابن ميسّر: توفّي سنة إحدى وستّين وثلاثمائة.

وقال أبو محمد المسكيّ إنّه توفّي سنة اثنتين وستّين، وقبره ظاهر يزار ويتبرّك به عند قبر أبي الحسن الفقاعيّ.

وقال أبو عليّ حسن بن محمد بن حسن بن مروان الأمويّ الورّاق في كتاب زيارات القرافة:

ذكر قوم من الزوّار أنّ من قرأ عند قبر ابن جابار هذا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إحدى عشرة مرّة


(١) عبارة الكواكب: كيف يغرّنا بالدنيا؟
(٢) الليالي الأربع: لعلّها من مصطلحات المتصوّفة الخاصّة بالعيد.
(٣) عبارة الكواكب: البلاد بلاد الله والأرض أرض الله والمال مال الله، فإن أخذت أخذت من الله، وإن رددت رددت على الله (ص ١٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>