للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحنفيّة بها عوضا عن أبيه لمّا توجّه إلى مصر في ثاني صفر سنة ستّ وتسعين وستّمائة.

ودرس وأفتى، وعمي في آخر عمره.

وتوفّي يوم الجمعة تاسع عشر شهر رجب سنة خمس وأربعين وسبعمائة.

وقد تقدّم ذكر أبيه الحسن بن أحمد (١).

قال الشهاب أحمد بن يحيى، ابن فضل الله العمريّ: وهو كثير المروءة لقصّاده، حسن المعاشرة، طيّب الأخلاق، سخيّ النفس جدّا.

وله نيف وسبعون سنة يدرّس بدمشق، وغالب مفتي مذهبه من الحكّام والمدرّسين كانوا فقهاء عنده، وقلّ منهم من أفتى ودرّس بغير خطّه.

حكى لي أعجوبة جرت له قال: كان والدي قد سفر بي لإحضار أهله من الشرق، فلمّا أجزت البيرة (٢) ألجأنا المطر إلى أن نمنا في مغارة، وكنت في جماعة. فبينما أنا [٣ ب] نائم إذا شيء يوقظني فانتبهت فإذا أنا بامرأة وسط من النساء لها عين واحدة مشقوقة بالطول، فارتعت، فقالت: ما عليك! إنّما أتيتك لتتزوّج ابنة لي كالقمر.

فقلت، لخوفي منها: على خيرة الله!

ثمّ نظرت فإذا برجال قد أقبلوا كهيئة المرأة التي أتتني، عيونهم كلّهم مشقوقة بالطول، في هيئة قاض وشهود. فخطب القاضي وعقد، فقبلت ونهضوا.

وعادت المرأة ومعها جارية حسناء، إلّا أنّ عينها مثل عين أمّها. وتركتها عندي وانصرفت.

فزاد خوفي واستيحاشي. وبقيت أرمي من معي

بالحجارة لينتبهوا، فما انتبه والله ولا واحد منهم، فأقبلت في الدعاء والتضرّع.

ثمّ آن الرحيل، فرحلنا، وتلك الشابّة لا تفارقني. فدمت على هذا ثلاثة أيّام، وأنا مقبل على الدعاء، والتضرّع. فلمّا كان في اليوم الرابع أتتني المرأة وقالت: كأنّ هذه الشابّة ما أعجبتك؟

وكأنّك تختار فراقها؟

فقلت: إيه والله!

فقالت: طلّقها!

فطلّقتها وانصرفتا. ثمّ لم أرهما.

(قال) فسألته إن كان أفضى إليها، فزعم أن لا.

ولمّا قدم السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون من الكرك سنة تسع وسبعمائة تردّد إليه ونفق عليه. فجلس مرّة هو والقضاة إلى جانبه وقت [٧٣ أ] صلاة الجمعة في الميدان الصغير، فقرأ القارئ عشرا، فسأل السلطان عن معنى آية منه، فلم يحر القضاة جوابا. فقال هو للسلطان بالتركيّ: هؤلاء حمير، ما فيهم من يعرف التفسير.

ثمّ أخذ يفسّرها له بالتركيّ، فقال له: لم لا تقول بالعربيّ؟

فقال: لأنّ هؤلاء ما هم أهل لأن أعلّمهم، وإنّما الخطيب يعرف- يريد جلال الدين القزويني- وسيتفرّج السلطان عليّ وعليه ويظهر له ذلك الوقت جهل هؤلاء القضاة.

فضحك السلطان وجميع من حضر. ثمّ قرأ الخطيب وصلّى. فلمّا فرغ طلبه السلطان فأعاد السؤال فتكلّم هو والرازي وتناظرا والقضاة سكوت وقد سقطوا من الأعين كلّها. فكان الاستظهار للرازيّ.


(١) الحسن بن أحمد ترجمته تأتي برقم ١١٤٧. ولقبه حسام الدين وتوفي ٦٩٩. فترجمته لم تتقدم، فنتساءل: هل حرّر المقريزيّ ترجمة الأب قبل ترجمة الابن، أم هو ينقل عن معجم آخر دون التثبت من الترتيب؟
(٢) بيرة الشام غير إلبيرة بالأندلس، وهي في فلسطين.

<<  <  ج: ص:  >  >>