وبطلت بيوت الأموال، وتغلّب أصحاب الأطراف على ما بأيديهم من الممالك، وزالت عنهم الطاعة. ولم يبق للخليفة غير بغداد وأعمالها، والحكم في جميعها لابن رائق، ليس للخليفة معه حكم.
وأشار على الراضي بالانحدار معه إلى واسط لمحاربة أبي عبد الله [أحمد] (١) البريديّ، المتغلّب على خوزستان. فاستجاب له وانحدر معه أوّل المحرّم سنة خمس وعشرين [وثلاثمائة].
فخالفت الحجريّة عليه خوفا من أن يوقع [بهم] كما أوقع بالساجيّة، فلم يعبأ بهم، وعند ما استقرّ بواسط أسقط أكثرهم. فثاروا عليه وقاتلوه، فقتل منهم جماعة وهزمهم إلى بغداد، فأوقع بهم لؤلؤ صاحب الشرطة وأخذ أموالهم، وقطعت أرزاقهم. ومال ابن رائق على من كان في اعتقاله من الساجيّة فقتلهم.
وتجهّز لحرب البريديّ بالأهواز، فجدّد البريديّ ضمان الأهواز بثلاثمائة وستّين ألف دينار في السنة، على أن يحمل كلّ شهر قسطه. فكفّ عنه [ابن رائق] وعاد بالراضي إلى بغداد، فاستخدم من الحجريّة نحو الألفين، وطلب بقيّتهم الرزق ولحقوا بأبي عبد الله البريديّ، فأكرمهم، وعاب ابن رائق وذمّه [٢٤٨ أ] فتنكّر له ابن رائق.
واتّفق وصول أبي طاهر سليمان بن أبي سعيد الجنّابيّ القرمطيّ إلى الكوفة في ثالث عشرين ربيع الآخر سنة خمس وعشرين. فخرج إليه ابن رائق في العساكر، فعاد أبو طاهر إلى هجر من غير لقاء، ومضى ابن رائق إلى واسط. فأخذ البريديّ البصرة، فقامت قيامة ابن رائق، وأرسل يهدّد
البريديّ، فاعتذر إليه، وغالطه.
فسيّر إليه بجكم على جيش، وبدرا الجرشيّ على جيش، وخلع عليهما. فكانت أمور آلت إلى هزيمة ابن رائق واستيلاء بجكم على الأهواز، فسار ابن رائق بنفسه من واسط إلى البصرة. وأتاه بجكم بمن معه، فقاتله أهلها ومنعوه منها. فبلغه التحاق البريديّ بعماد الدولة أبي الحسن عليّ بن بويه، وحثّه على أخذ العراق، وأنّه سيّر معه أخاه معزّ الدولة أبا الحسين أحمد بن بويه من فارس إلى الأهواز. فبعث بجكم وقلّده الحرب والخراج، وسار إليها، فقدم جماعة من أصحاب البريديّ إلى عسكر ابن رائق يريدون قتاله. فأحرق سواده وآلاته لئلّا يغنمه البريديّ، وسار إلى الأهواز جريدة، وأقام أيّاما، ثمّ عاد إلى واسط. فاستولى معزّ الدولة على الأهواز وهزم بجكم إلى واسط، فبعث بجكم يطلب من ابن رائق مالا ينفقه.
فمضى [ابن رائق] من واسط إلى بغداد، وأقام بجكم بواسط. وطمع في الاستيلاء على بغداد مكان ابن رائق، وكتم ذلك، وأخذ يجمع مال واسط.
فأشار الوزير أبو الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات على ابن رائق أن يبعثه إلى مصر ليعقد الصهر بينه وبين الأمير أبي بكر محمّد بن طغج الإخشيد، وأطمعه في مصر والشام. فسيّره في ربيع الآخر سنة ستّ وعشرين وثلاثمائة.
وعظم شان بجكم، فخافه ابن رائق أن يتغلّب على العراق، وعاد إلى مصالحة البريديّ ليكون معه على بجكم ويسلّمه واسط بستّمائة ألف دينار في السنة. فبلغ ذلك بجكم، فبعث عسكر [ا] إلى البريديّ فهزموه وآل أمره إلى الانقياد لبجكم.
[ف] أخذا في التدبير على ابن رائق. وسار بجكم إلى بغداد في ذي القعدة منها، ففارقها ابن رائق
(١) كبير الإخوة الثلاثة، ولي الأهواز واستوزر ببغداد، ومات سنة ٣٣٣. انظر فصل البريديّ بدائرة المعارف الإسلامية ٢/ ١٠٧٨.