للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لست ممّن يموت أو يقدموني ... وأبكّي عليهم في القبور

وصحيح بأنّي قد كنت قد م ... تّ وأحياني جود هذا الوزير

فقلت له: الحمد لله على بقائك وسلامتك- ثمّ أدخلته الدار، فتحادثنا. وشكا إليّ فاقة عظيمة وضرورة زائدة، فقلت له: أتقول إنّ جود هذا الوزير أحياك، وهذه شكواك؟

فقال: أحياني بتجبّره بهؤلاء الفعلة الصنعة الكتّاب.

فقلت: دع هذا، وكمّل على هذه الأبيات في مدح الوزير لأعرضها لك عليه، فلعلّها تكون سببا لإحسانه إليك.

ففعل، فكان كما قلت.

(قال): وأمّا البردة، فحكى لي غير واحد ممّن أثق به أنّ رجلا كان من الكتّاب بمطابخ السكر [٢٥١ ب] السلطانيّ مغرى بكتابة هذه القصيدة- يعني البردة- مغرما بها، ولا يزال يذكر عظيم النفع بها، وأنّه ما استشفى بها أحد إلّا شفي واستغنى بها عن الدواء. وكان رفيق نصراني معاند يهزأ به إذا قال مثل هذا، ولا يقدر أن يتكلّم، إلى أن حصل لابن صغير له رمد كاد يذهب بعينه.

فأتاه به غلام له يحمله يوما وهو في مكان مباشرته، والنصرانيّ إلى جانبه. فلمّا رآه أبوه قال للغلام: اذهب إلى الكحّال فأره له ودعه يكحّله [ويصف له ما يراه من الطعام والشراب وغير ذلك].

فرأى النصرانيّ أن قد جاءه وقت الكلام، فقال: ما حاجة إلى الكحّال؟ تكفيه البردة!

فغضب المسلم وقال: نعم! تكفيه البردة! والله لا طبّبته بغيرها! خذ يا غلام هذه البردة وضعها على عينيه، ولا تكحّله. ودعه يأكل ما أراد- ودفعها إليه.

فأخذه الغلام وذهب به. وكان ذلك يوم السبت. فلمّا أصبح بكرة يوم الأحد، نظر إليه أبوه فرأى الحمرة قد تقشّعت، وصفت حمرة عينيه، وسكن ما به. فحمله وأتى به النصرانيّ في كنيسته، وقال: انظر! كيف ترى نفع البردة؟

فوجم النصرانيّ ولم يتكلّم، فلمّا كان يوم الاثنين زال ما كان بالصغير حتّى كأنّه لم يكن، فأتى به أبوه النصرانيّ فقال: انظر كيف هو اليوم!

فقال النصرانيّ: لا شكّ بعد عيان! - وأسلم وحسن إسلامه، ثمّ كان من أشدّ الناس تعلّقا بها.

وكان الملك الظاهر قد أمر بكسر أوعية الخمر وشدّد فيها، فقال [الوافر]:

نهى السلطان عن شرب الحميّا ... وصيّر حدّها حدّ اليمانيّ (١)

فما جسرت ملوك الجنّ منه ... لخوف القتل تدخل في القنانيّ

فبلغت السلطان فقال: لو كنت أجتمع بشاعر لاجتمعت به.

ولمّا عمّرت [٢٥٢ أ] المدرسة المنصوريّة والمارستان بالقاهرة، أكثر الشعراء في وصفهما ومدحوا الأمير سنجر الشجاعيّ متولّي عمارتها. فممّن أنشده، البوصيري، [ب] قصيدة فريدة أوّلها [الكامل] (٢):

عمّرت مدرسة ومارستانا ... لتصحّح الأديان والأبدانا


(١) الديوان ٦/ ٢٣١.
(٢) بالهامش من خطّ مغاير: ح: هذه القصيدة التي ذكر المترجم مطلعها إنّما هي للسراج عمر بن [محمد بن] الحسن الورّاق، وهي مذكورة في ديوانه بخطّه. وليست للبوصيريّ. وهي مفقودة من ديوان البوصيري.

<<  <  ج: ص:  >  >>