للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يتكلّم بعدّة ألسن. سافر إلى العراق، واجتمع بياقوت المجوّد (١). واتّهم في دينه: قيل إنّه وضع الخمر في الدواة وكتب بها المصحف الكريم.

واتّصل بخدمة الملك المظفّر ركن الدين بيبرس الجاشنكير، وكتب له ختمة في سبعة أجزاء بليقة ذهبيّة (٢) في قطع البغداديّ أعطاه لها برسمالليقة لا غير ألفا وأربعمائة دينار. فدخل في الختمة ستّمائة دينار وأخذ الباقي. فقيل له في ذلك فقال:

متى يعود آخر مثل هذا يكتب مثل هذه الختمة؟

وأخذ منه جملة في أجرة نسخها، وجعله في ديوان الإنشاء فما أنجب. وكانت الكتب التي تدفع إليه ليكتبها في الديوان بأشغال الناس تبيت عنده وما تنجز. وعدّ هذا تعجيزا من الله له، فإنّه كان كاتبا عظيما، كتب الأقلام السبعة طبقة، ولم يكتب أحد فصاح النسخ والمحقّق والريحان (٣) أحسن منه.

وله رسائل كثيرة وقصيدة سمّاها «سرد اللام»

عارض بها لاميّة العجم للطغرائيّ. ونظمه فيه يبس.

وتوفّي بالمارستان المنصوريّ من القاهرة يوم الثلاثاء سادس عشر شعبان سنة إحدى عشرة وسبعمائة. ومن شعره في الحشيشة [الطويل]:

وخضراء لا الحمراء تفعل فعلها ... لها وثبات في الحشا وثبات

تؤجّج نارا في الحشا وهي جنّة ... وتبدي مرير الطعم وهي نبات

وقوله [الكامل]:

جهد المغفّل في الزمان مضيّع ... وإن ارتضى أستاذه وزمانه

كالثور في الدولاب يسعى وهو لا ... يدري الطريق، فلا يزال مكانه

ولناصر الدين شافع بن عليّ يمدح خطّه [الطويل]:

أرتنا يراع ابن الوحيد بدائعا ... تروق بما قد أنهجته من الطرق

[٢٧٧ ب]

بها فاق كلّ الناس سبقا فحبّذا ... يمين له قد أحرزت قصب السبق

وبلغ شافعا بعد ما عمي أنّ ابن الوحيد قال لمّا بلغه ثناؤه على شعره وقرظه:

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ..

فهجاه بقوله [البسيط]:

نعم، نظرت ولكن لم أجد أدبا ... يا من غدا واحدا في قلّة الأدب

عيّرتني بعمى أصبحت تذكره ... والعيب في الرأس دون العيب في الذنب

يعرّض بما كتبه محيي الدين ابن البغداديّ على هامش كتاب خواصّ الحيوان بإزاء قوله: «من


(١) ياقوت بن عبد الله (فأصله روميّ) مولى المستعصم العبّاسي، فنسب إليه: خطّاط مشهور، علّم الخطّ لأهل بغداد وألّف فيه كتابا (ت ٦٩٨). ابن كثير ١٤/ ٦، الأعلام ٩/ ١٥٧.
(٢) الليقة هي الصوفة التي تبلّ بالمداد، وينقع فيها القلم.
وهي هنا مادّة الذهب التي يمزج بها الحبر.
(٣) هذه مصطلحات الخطّاطين: فالبغدادي حجم معيّن من الورق. والأقلام السبعة كما حدّدها ابن مقلة (ت ٣٢٨) ثمّ ابن البوّاب (ت ٤١٣)، ثمّ طوّرها ياقوت المستعصمي هي ضروب من أساليب الكتابة: خطّ الثلث، والمحقّق، والتوقيع، والنسخ، والرقاع، والريحان، والتعليق أو النستعليق الفارسيّ. انظر فصل «خطّ» المطوّل في دائرة المعارف الإسلاميّة ٤/ ١١٥٥، وفضل قلم بها ٣/ ٧٥٩، وكذلك ترجمتي ابن مقلة «مبتكر الخطّ المنسوب» ٣/ ٩١٠، وابن البوّاب ٣/ ٧٥٩.
وانظر مصوّر الخطّ العربي لناجي زين الدين ص ٣٣٤ وما يليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>