ولد ليلة الثلاثاء أوّل شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة- وقيل: سنة إحدى وعشرين، والأوّل أصحّ، لأنّه نقل بخطّه.
رحل في طلب الحديث وطوّف بالأقطار، ودخل ديار مصر والشام والجزيرة وخراسان والعراق وأذربيجان. وسمع الكثير ببلده وبمروروذ الشاهجان وبهراة وسجستان وبلخ وسرخس ونيسابور وكرمان ويزد وشيراز وكازرون وأصبهان، وهمذان وزنجان، وتبريز، وبغداد، والكوفة، ومكّة، والموصل، وديار بكر، وأقسرا من بلاد الروم، ودمشق.
وقدم مصر فسمع بها من أبي محمد عبد الله بن رفاعة بن غدير السعديّ، وأبي محمد عبد الله بن برّي النحويّ، وأبي الحسن ابن أبي عليّ بن إبراهيم المالكيّ، وبتنيس من أبي السرايا غنائم بن عليّ بن عبد الملك الحميريّ، وبالإسكندريّة من أبي الطاهر السلفيّ، وأبي الطاهر إسماعيل بن مكيّ بن عوف الزهريّ. وسمع الكثير وكتب بخطّه، وكان يكتب خطّا حسنا، وحصّل الأصول والكتب النفيسة، وجمع لنفسه معجما لشيوخه.
وسكن دمشق إلى أن مات. وأوقف كتبه بدويرة السميساطيّ، وكان من الفضلاء في كلّ فنّ، في الفقه والحديث والأدب، وله مصنّفات، منها:
شرح المقامات الحريريّة، أحسن فيه.
وكان شيخا ظريفا من أظرف المشايخ وأحسنهم هيئة وأجملهم لباسا.
وحدّث باليسير في [٢٠ أ] بغداد ودمشق ومصر والإسكندريّة. قال أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن عليّ التجيبيّ: رحل من دمشق إلى الحافظ [السلفيّ] بالإسكندريّة مرّتين. وكانت له رحلة لقي فيها جماعة من الشيوخ المحدّثين فاستجازهم للملك الأجلّ نور الدين، وكتب عن كلّ واحد منهم ما أمكنه، وجعل ذلك مجموعا مؤلّفا، ثمّ قدم عليه بدمشق وأهداه إليه، فاستشار طلبة مجلسه في ذلك، فذكروا له أنّ الإجازة عند العلماء بشرطها جائزة، والتحديث بها سائغ، ورغبوا إليه في أخذ ذلك المجموع عنه بإجازة المشايخ المذكورين. فقرئ عليه ذلك وأسند إليه وحمل عنه، فسرّ به سرورا عظيما إذ جعله الله من رواة حديث رسوله صلّى الله عليه وسلم. وحظي بذلك عنده المسعوديّ ونال منه خيرا كثيرا وقال له: حاجتك؟
فقال: كتاب إلى صلاح الدين بالبرّ والكرامة.
وكتاب آخر إلى الحافظ السلفيّ ليقرّبني ويمكّنني من مسموعاته. فأجابه إلى ذلك، وكتب له، وخلع عليه، وأعطاه عبيدا ودوابّ وأموالا. فقدم ديار مصر، وصارت له بذلك وجاهة عند صلاح الدين وعند رؤساء مصر.
ووصل بالكتاب إلى السّلفيّ فقرّبه وأدناه وأنزله بأحسن موضع بمدرسته ومكّنه من مسموعاته.
وقال المنذريّ: سألت الحافظ أبا الحسن المقدسيّ عن المسعوديّ هذا، فقلت: أكان يدلّس؟
فقال: لو أراده ما أحسنه.
وقال القفطيّ: كان ينزل بدار سعيد السعداء التي جعلت للصوفيّة بالقاهرة تجاه دار السلطان.
وذكر القاضي الفاضل أنّه قدم في مستهلّ رجب سنة إحدى وثمانين وخمسمائة من دمشق إلى القاهرة [٢٠ ب] برسالة السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب إلى الملك المظفّر تقيّ الدين عمر ابن شاهنشاه بن أيّوب يأمره فيها بنبش أبي عبد الله محمد بن إبراهيم الكيزانيّ من قبره